النسبة المذكورة بين ارتفاعها وعرضها تكفل لها الاستقرار بذاتها.
جـ — أما الأحياء فقد تولدت في الرطوبة بعد التبخر؛ أي في طين البحر، وهو مزاج من التراب والماء والهواء، فكانت في الأصل سمكًا مغطى بقشر شائك حتى إذا ما بلغ بعضها أشده نزح إلى اليبس وعاش عليه ونفض عنه القشر، والإنسان لم يوجد أول ما وجد على ما نراه اليوم طفلًا عاجزًا عن توفير أسباب معاشه وإلا لكان انقرض، ولكنه منحدر هو أيضًا من حيوانات مائية مختلفة عنه بالنوع حملته في بطنها زمنًا طويلًا إلى أن نمت قواه وتم تكوينه، فاستطاع أن يقف على اليابسة وأن يحفظ حياته بنفسه.
د — والتطور قانون عام: تخرج الأشياء من اللامتناهي ثم تنحل وتعود إليه ويتكرر الدور وهلم دواليك، منها ما «يشرق ويغرب في آجال بعيدة» هي العوالم التي لا تحصى، ومنها ما يتكون ويفسد في أوقات قصيرة «ويعوض بعضها البعض على مر الزمان» هي الجزئيات مثل الحرارة تشرب ماء الأرض، فيرد البخار هذا الماء للأرض مطرًا، وهكذا إلى نهاية الدور، فالحركة دائمة، والموجودات متغيرة، والمادة اللامتناهية باقية غير حادثة ولا مندثرة.
هـ — فأنكسيمندريس يفسر تكوين الأشياء تفسيرًا «آليًّا» أي بمجرد اجتماع عناصر مادية وافتراقها بتأثير الحركة دون علة فاعلية متمايزة ودون غائية، وهي في تصوره لهذا التكوين يكاد يقترب من تصور غير واحد من العلماء المحدثين — لابلاس مثلًا — ويكاد يقول بمذهب التطور في عالم الحياة، بل يكاد يقول بقانون الجاذبية لولا أن رأيه يرجع — على حد تعبير أرسطو — إلى أن الأرض المستقرة في مركز العالم تشبه رجلًا يهلك جوعًا؛ لأنه لا يجد سببًا يحمله على الأكل من طبق دون آخر من أطباق تحيط به على مسافة واحدة! وأنكسيمندريس يمد لوجود إلى غير حد في المكان وفي الزمان فيقول بعوالم لا تحصى وبدور عام