صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/270

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ليس فقط المعاش بل أيضاً المعاش الحسن وهذا هو فصلها النوعي . فهمة المدينة توفير الأسباب لكي يبلغ أفرادها سعادتهم ، وهذه الأسباب مادية وأدبية ، والأولى خاضعة للثانية لأن سعادة الإنسان خلقية عقلية . فالمعاش الحسن يشمل شيئين : العمل الخلق والعمل العقل . من الوجهة الأولى تعاون المدينة الأفراد على اكتساب الفضائل وتقدم لهم فرصاً أكثر لمزاولة هذه الفضائل في العلاقات الاجتماعية المتعددة ، ومن الوجهة الثانية تنشط المدينة العمل العقلى بما تسمح به من تقسيم أكثر واتسال القول بعضها ببعض . والحالة التي يزدهر فيها السلان الخلق والعقلى هي حالة السلم والرخاء والفراغ ، وما الحرب إلا وسيلة للدفاع عن الحق أو للحصول عليه ، ولا تبرر بحق الفتح إلا إذا شهرت على شعوب وضيعة متأخرة تعود عليها السيطرة الأجنبية بالخير . فلا تطلب المدينة الحرب لذاتها فتكون حربية كأسبرطة ، ولا الفنى لذاته فتكون تجارية تبنى السفن وتغزو البلاد . إن قيمة المدينة تقاس بقيمة أفرادها من حيث العلم والخلق ليس غير . - و يتبين مما سبق أن المدينة وإن كانت آخر الجماعات من حيث الزمان إلا أنها الأولى من حيث الطبيعة والحقيقة ؛ كما أن الكل أول بالإضافة إلى الأجزاء لأنه علتها النائية وشرط تحققها على أكمل وجه . وقد رأينا أن المدينة شرط ترقى الفرد وتحقيق جميع قواه ، فإذا كانت الهيئات الأولية طبيعية كانت المدينة طبيعية كذلك لأنها عايتها جميعاً . ويلزم من هذا أن الإنسان حيوان مدنى بالطبع ، ة والذي لا يستطيع أن يعيش في جماعة أو ليست له حاجات اجتماعية لأنه يكفى نفسه بنفسه فهو إما بهيمة وإما إله » . وإذن فليست المدينة وليدة العرف كما يدعى السوفسطائيون ، ولكنها قائمة على الطبيعة الإنسانية النازعة إلى كمالها ، وليس القانون حدا عرفيا لحرية ، ولكنه وسيلة توفير الحرية ، فيه ا