صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/313

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أن تجعله مذموماً ، والخير الفضيلة ، فليس لافضـيلة موضوع خارجي تتوجه إليه ، ولكنها تنتهى عنــد نفسها وتقوم في إرادة المطابقة مع الطبيعة . وايست نقاس قيمتها بغاية تحققها ولكنها في الغابة تشتهى لذاتها . فهي كاملة منذ البداية تامة في جميع أجزائها ، وما هذه الأجزاء سوى وجهات لها مختلفة باختلاف الأحوال : الشجاعة هي الحكمة فيما يجب احتماله ، والعفة هي الحكمة في اختيار الأشياء ، والعدالة هي الحكمة في توزيع الحقوق ، فالحكيم أو الإنسان الكامل هو الذي يسلم أن كل شيء في الطبيعة إنما يقع بالنقل الكلى أو بالإرادة الإلمية أو بالقدر ، فيعتبر ميوله وظائف لتحقيق هذه الإرادة الكلية ، و يقبل مفاعيل القدر طوعاً . ---- ولكن أليس القول بالقدر من ناحية وحصر الخير في الإرادة من ناحية أخرى يزهدان الإنسان في كل عمل و يتهيان به إلى الجمود إذ تتساوى عنده الأشياء فلا يقوم لديه سبب لاختيار بعضها دون بعض ؟ كلا فإن القدر مغيب عنا كما أسلفنا ، والموضوعات الخارجية ، و إن لم تكن خيرات وشرورا بالذات ، إلا أنها مادة الإرادة ، ولولاها لبقيت الإرادة قوة صرفة ولم تخرج إلى الفعل ولم تحقق الخير ، وهي إنما تفعل بالاختيار بينها . فالإنسان الكامل يعتبر الموضوعات المسابقة للطبيعة جديرة بالاختيار ، والموضوعات المضادة لها منبوذة ، دون أن يتعاق بموضوع دون آخر ، ودون أن يريد موضوعاً ما كما يريد الخير ، فإذا ابتلى بمرض أو أصابته مصيبة أثر ذلك لعلمه أنه مقدر عليـه ، فيتوفر له الخير الحقيقي في كل حال . اللهم إلا إذا نزلت به فوادح لا تطاق ، قله حينئذ أن ينتحر و يتخلص من حياة لم يعد فيها شيء مطابقا للطبيعة ، وفيها خلا ء هـذه الشدائد فإنه يعمد الدهر لا يخاف ولا يرجو ولا يأسف ولا يندم ، بل يرتفع بنفسه فوق كل شيء ويحتفظ بحريته و ينم بفضيلته . - --- وأدنى من الإنسان الكامل مرتبة إنسان ناقص يعلم وظائفه وحدودها