صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/317

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٣١١ –

الفصل الرابع

الشكاك

۹۱ — الشك الخلقي : بيرون :

أ — ليس الشك جديداً في الفلسفة اليونانية ، فقديما اتهم بارمنيدس المعرفة الحسية ، وانهم أتباع هرقليطس المعرفة العقلية ، واتخذ السوفسطائيون من تباين المذاهب والأخلاق والعادات ذريعة قوية للشك. ولكنا الآن بإزاء شك جديد له أسبابه ومميزاته : فقد ازداد عدد المذاهب واشـند تعارضها ، وفتح الإسكندر بلاداً رأى فيها اليونان ألواناً من العادات والأخلاق ، ولما قضى وتمزق ملكه وراح اليونان يتقاتلون كان من جراء انحطاطهم السياسي تخاذل الهمم وتعاظم حاجة العقلاء للراحة ، فقامت إلى جانب المدارس القديمة النظرية مدارس توجهت إلى طلب الطمأنينة والسعادة أولا وقبل كل شيء على ما رأينا. وكانت منها المدرسة الشكية. لم يكن الشاك في هذا الدور نافياً منهكاً كالسوفسطائي ولكنه رجل مغلوب على أمره فقد الإيمان بالحق والخير في بيئة تبليلت فيها الأفكار وفسدت الأخلاق إلى حد بعيد فانعزل في نفسه لا يوجب ولا ينفى و إنما يقول : لا أدرى. ولم يكن كالسوفسطائي مزهوا بفنه طالباً للمال ، ولكنه كان جانا معرضاً عن متاع الدنيا ، أقرب في أخلاقه إلى الرواقية منه إلى الأبيقورية. ولم يكن هداماً مثله ، ولكنه كان يرى في الإخلاد إلى التقاليد والعقائد الشعبية وسيلة إلى الراحة والاطمئنان. وكان السوفسطائيون مبتدئين يحاجون بلا ترتيب ولا منهج ، أما الشكاك فأناس انتفعوا بتقدم الفكر اليوناني فأتقنوا المحـاجة على