بالأحياء، ولكن الغاية من التناسخ الطهارة التامة والسعادة الدائمة؛ فكيف نوفق بين هذا الدوام وبين الدور؟
هـ – ولم تصل إلينا نصوص صريحة عن عقيدتهم في الألوهية، أما ما يذكر من أنهم كانوا يضعون «الواحد» فوق الأعداد والموجودات ويجعلونه مصدرها جميعًا فتأويل أفلاطوني، وكل ما يمكن أن يقال: إنهم طهروا الشرك الشعبي من أدرانه، ونزهوا الآلهة عما ألحقت بهم المخيلة العامة من نقائص.
١٤ – علومهم
أ – وإذا انتقلنا من تصورهم للمسائل الكلية إلى آرائهم في العلوم الجزئية وجدنا فكرتهم الأساسية مسيطرة عليها كذلك، وقد مرت بنا الإشارة إلى أطبائهم فنقول الآن: إنهم أثروا أكبر تأثير في مدرسة أقروطونا وحولوها إلى مذهبهم، بنوا الطب على تناسب الأضداد فقالوا: إن مبدأ الحياة الحار ملطفًا بالبارد أي بالهواء الخارجي يجذب بالشهيق ويدفع بالزفير فإذا اختلت النسبة بينهما كان المرض، وإذا زاد الاختلال كان الموت، فالحياة والصحة تناسبٌ وتناسقٌ، والمرض والموت اختلال التناسب أي إفراط أو تفريط بالإضافة إلى الحد الملائم، والتطبيب حفظ التناسب أو إعادته، وطبقوا هذا الرأي تطبيقًا عامًّا فقالوا مثلًا: إن المناخ الأحسن هو مناخ المنطقة المعتدلة؛ أي المتوسطة بين الحار والبارد، وهكذا، ومن نوابغهم في هذا الفن القميون زعيم مدرسة أقروطونا، ومما يذكر له قوله: ليست النفس في القلب 5وكان هذا اعتقاد القدماء) وإنما في الدماغ، والدماغ هو مركز التفكير تصل إليه بواسطة قنوات دقيقة التأثيرات الواقعة على أعضاء الحواس، ويقال: إنه أثبت رأيه بالتجربة فبيَّن بالتشريح أن كل اضطراب في المخ يفسد الوظائف الحاسة.