صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/53

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٤٧–

وتتعاقب الأدوار كل منها كما كان بالتمام إلى ما لا نهاية، والدور الذي نحن فيه الآن تسيطر عليه الكراهية.

د – وتتكون الآلهة والنفوس كما تتكون الأشياء الفاسدة — وهو الوحيد الذي أدخل التراب في تركيب النفس — غير أنها أمزجة يغلب فيها الهواء والنار لذلك كانت ألطف وأدق، فالآلهة الحقة عنده العناصر والمحبة والكراهية، وكذلك تتكون الأجسام الحية: تجتمع العناصر بمقادير معينة بفعل المحبة «فتنبت في الأرض رءوس بدون رقاب، وتظهر أذرع مفصولة عن الأكتاف، وعيون مستقلة عن الجباه»، وتتقارب هذه الأمزجة اتفاقًا على أنحاء متعددة؛ فتكون منها المسوخ، وتكون المركبات الصالحة للحياة؛ فتنقرض الأولى وتبقى الأخرى، فالحياة تعلل بأسباب آلية هي اجتماع العناصر وتأثير البيئة، والحياة واحدة في الأحياء جميعًا لا تختلف إلا بالقلة والكثرة، فللنبات شعور كما للحيوان، ويفسر الإحساس بأنه تقابل الأشباه وإدراك الشبيه للشبيه: تنبعث عن الأشياء أبخرة لطيفة فتلاقي الحواس؛ فإن كانت النسبة في التركيب متفقة في الجهتين دخل البخار المسام وكان الإحساس، وهذا سبب أن الحاسة الواحدة لا تحس ما هو خاص بأخرى، ولهذا السبب أدخل أنبادوقليس التراب في تركيب النفس؛ أي لكي تدرك الأشياء الترابية، أما الفكر فمركزه عند القلب؛ لأن الدم أكمل الأمزجة، واختلاف الناس عقلًا يرجع إلى اختلاف أجزاء الدم في حجمها وطريقة توزعها وتمازجها، وإنما أخذ أنبادوقليس قوله: إن القلب مركز الفكر عن مدرسة الطب في صقلية، وقد مر بنا (١٤–أ) أن ألقميون إمام مدرسة أقروطونا كان يذهب إلى أن مركز الفكر المخ، والنفوس البشرية آلهة خاطئة وقعت في سلطان الكراهية، وقضي عليها أن تهيم ثلاثين ألف سنة بعيدة عن مقر السعداء وأن تتقمص على التوالي جميع الصور الفنية، قال أنبادوقليس: إنه