صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/56

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٥٠–

وجود ذرات مادية غاية في الدقة كالتي تتطاير في أشعة الشمس، وكالذرات الملونة التي تذوب في الماء، والذرات الرائحية التي تتصاعد مع الدخان أو الهواء، ودلتهما التجربة أيضًا على أن اللبن والخشب يرشح منهما الزيت والماء، وأن الضوء يخترق الأجسام الشفافة، وأن الحرارة تخترق جميع الأجسام تقريبًا، فبدا لهما أن في كل جسم مسامَّ خالية يستطيع جسم آخر أن ينفذ منها، وكانت طريقتهما في التوفيق أن قَسَّمَا الوجود الواحد المتجانس عند الإيليين إلى عدد غير متناهٍ من الوحدات المتجانسة غير المنقسمة غير المحسوسة لتناهيها في الدقة، ووضعاها في خلاء غير متناه تتحرك فيه فتتلاقى وتفترق فتحدث بتلاقيها وافتراقها الكون والفساد، وقالا: إنها قديمة من حيث إن الوجود لا يخرج من اللاوجود، وإنها دائمة من حيث إن الوجود لا ينتهي إلى اللاوجود، وإنها متحركة بذاتها، وواحدها الجوهر الفرد، فإنها جميعًا امتداد فحسب أو ملاء غير منقسم، فهي متشابهة بالطبيعة تمام التشابه، وليست لها أية كيفية ولا تتمايز بغير الخصائص اللازمة من معنى الامتداد وهي الشكل والمقدار، أما الشكل فمثل Λ وΝ ومنها المستدير والمجوف والمحدب والأملس والخشن إلى غير ذلك، وأما المقدار فيتفاوت مع إبائه القسمة وخلوه عن الثقل، كذلك يتميز الخلاء الفاصل بينها بالمقدار والشكل، وليس الخلاء عدمًا ولكنه امتداد متصل متجانس يفترق عن الملاء بخلوه من الجسم والمقاومة، ويسمي لوقيبوس وديموقريطس الملاء وجودًا والخلاء لا وجودًا، ويعتبرانهما علتين مادتين على السواء1 ذلك أنهما ظنا أنه لولا الخلاء لما تمايزت الجواهر، ولما كانت الكثرة، ولامتنعت الحركة، وأن القول بالحركة والكثرة يقتضي حتمًا القول بالخلاء واعتباره مبدأ حقيقيًّا إلى جانب الملأ.

ج – وتفصيل القول في الكون والفساد أن الحركة تعصف بالجوهر منذ القدم وتوجهها إلى كل صوب في الخلاء الواسع، فتتقابل على أنحاء لا تحصى،


  1. أرسطو: ما بعد الطبيعة م١ ف٤ ص٩٨٥ ع ب س٤–٢٠ وكتاب الكون والفساد م١ ف٨ ص٣٢٤ ع ب س٢٥–٣٥.