يختلف عما كان يعلنه للجمهور، ومما يلاحظ أيضًا أن بروتاغوراس علل توقفه عن القول بالآلهة بصعوبة المسألة من جهة، وبقصر العمر من جهة أخرى، ولم يقل: «الآلهة موجودون بالإضافة إلى من يؤمن بهم وغير موجودين بالإضافة إلى من ينكرهم»، لهذا كله يمكن الارتياب في أن يكون بروتاغوراس قد ذهب إلى هذا الحد من الشك ويبقى أن «مذهبه» يمثل النتيجة المحتومة لمذهب هرقليطس، وأن أفلاطون اتخذ اسم بروتاغوراس عنوانًا لها، وكل قصده أن يبرزها في صورة قوية.
٢٤ – غورغياس
أ – ولد في لونثيوم من أعمال صقلية، وأخذ العلم عن أنبادوقليس واشتغل بالطبيعيات مثله، وعني باللغة والبيان؛ فكان أفصح أهل زمانه وأبلغهم، قدم أثينا سنة ٤٢٧ يستنصرها باسم مدينته على أهل سراقوصة، فخلب ألباب الأثينيين ببلاغته، ويصوره أفلاطون في الحوار المعنون باسمه مفاخرًا بمقدرته على الإجابة عن أي سؤال يلقى عليه، مات في تساليا، وقد قاربت سنه المائة أو جاوزتها وعظم صيته وضخمت ثروته.
ب – وضع كتابًا «في اللاوجود» قصد به إلى التمثيل لفنه والإعلان عن مقدرته بالرد على الإيليين والتفوق عليهم في الجدل، وتتلخص أقواله في قضايا ثلاث؛ الأولى: لا يوجد شيء. الثانية: إذا كان هناك شيء فالإنسان قاصر عن إدراكه. الثالثة: إذا فرضنا أن إنسانًا أدركه فلن يستطيع أن يبلغه لغيره من الناس. أما عن الأولى فيقول: اللاوجود غير موجود من حيث إنه لا وجود، والوجود غير موجود كذلك؛ فإن هذا الوجود إما أن يكون قديمًا أو حادثًا، فإن كان قديمًا فهذا يعني أنه ليس له مبدأ وأنه لا متناهٍ ولكنه محوي بالضرورة