صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/74

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٦٨–

ويجري مع الطبيعة، فقال سقراط: بل الإنسان روح وعقل يسيطر على الحس ويدبره، والقوانين العادلة صادرة عن العقل ومطابقة للطبيعة الحقة وهي صورة من قوانين غير مكتوبة رسمها الآلهة في قلوب البشر، فمن يحترم القوانين العادلة يحترم العقل والنظام الإلهي، وقد يحتال البعض في مخالفتها بحيث لا يناله أذى في هذه الدنيا ولكنه مأخوذ بالقصاص العدل لا محالة في الحياة المقبلة، والإنسان يريد الخير دائمًا ويهرب من الشر بالضرورة، فمن تبين ماهيته وعرف خيره بما هو إنسان أراده حتمًا، أما الشهواني فرجل جهل نفسه وخيره، ولا يعقل أنه يرتكب الشر عمدًا، وعلى ذلك فالفضيلة علو والرذيلة جهل، وهذا قول مشهور عن سقراط يدل على مبلغ إيمانه بالعقل وحبه للخير، وإن كان فيه إسراف فما أجمله من إسراف!.

د - ولا شك أن سقراط كان متأثرًا بالأرفية المندمجة في الفيثاغورية، وأن ما بسطه أفلاطون في محاورته «أوطيفرون» من رأي في الدين يرجع لمعلمه، ونحن نقرأ فيها أن سقراط يأبى أن يصدق ما يروى عن شهوات الآلهة وخصوماتهم وإلا انهار الدين من أساسه، ولم نعد نعلم أي الأعمال يروق في أعين الآلهة وأيها لا يروق، ولا إن كان العمل الحسن عند أحدهم لا يعد مرذولًا عند غيره، ويحد الدين بأنه تكريم الضمير النقي للعدالة الإلهية لا تقديم القرابين وتلاوة الصلوات مع تلطخ النفس بالإثم، كذلك كان يعتقد أن الآلهة يرعوننا وأنهم عينوا لكل منا مهمة في هذه الدنيا، وكان يؤمن بالخلود ويعتقد أن النفس متمايزة من البدن فلا تفسد بفساده بل تخلص بالموت من سجنها وتعود إلى صفاء طبيعتها، وليس يهمنا كثيرًا أن نقف على شروحه وأدلته؛ فقد اصطنعها أفلاطون بلا ريب وزاد عليها، وليس من غضاضة على سقراط أن يفنى مجهوده في مجهود أفلاطون، فحسبه أنه باعث الفلسفة وموجهها وجهتها الروحية وشهيدها الأمين.