صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/95

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

محمد و مسند كذلك ، فإذا فكرت النفس في هذه الماهيات الثابتة أدركت أولا أن لابد لإطرادها في التجربة من مبـدأ ثابت ، لأن المحسوسات حادثة تكون وتقـد ، وكل ما هو حادث فله علة ثابتة ولا تتداعى الملل إلى غير نهاية . وأدركت ثانياً أن الفرق بعيد بين المحسوسات وماهياتها ، فإن هذه كاملة في العقل من كل وجه والمحسوسات ناقصة تتفاوت في تحقيق الماهية ولا تبلغ أبدا إلى كمالها . وأدركت ثالثا أن هذه الماهيات بهذه المثابة معقولات صرفة كالتي ذكرناها الآن : فيلزم مما تقدم أن الكامل الثابت أول ، وأن الناقص محاكاته وتضاؤله ، وأنه لا يمكن أن يكون المعقول الكامل الثابت قد حصل في النفس بالحواس عن الأجسام الجزئية المتحركة . ويقال مثل ذلك من باب أولى عن المجردات التي لا تتعلق بالمـادة t ( 6 فلا يبقى إلا أن الماهيات جميعاً حاصلة في العقل عن موجودات مجردة ضرورية مثلها لما هو واضح من أن المعرفة شبه المعروف حيا ، فتؤمن النفس بعالم معقول هو مثال العالم المحسوس وأصله ، يدرك بالعقل الصرف ، الماديات متحققة فيه بالذات على نحو تحققها في الحقل مفارقة للعادة بريئة عن الكون والفساد : الإنسان بالذات والعدالة بالذات ، والكبر والصغر والجمال والخير والشجر والفرس بالذات وهلم جرا ، فهي مبادی و « مثـل » الوجود المحسوس والمعرفة جميعاً : ذلك أن الأجسام إنما يتعين كل منها في نوعه « بمشاركة » جزء من المادة في مثال من هذه المثل ، فيتشبه به و يحصل على شيء من كماله ويسمى باسمه ، فالمثال هو الشيء بالذات والجسم شبح للمثال ، والمثال نموذج الجسم أو مثله الأعلى متحققة فيه كمالات النوع إلى أقصى حد ، بينا هي لا تتحقق في الأجسام إلا متفاوتة بحيث إذا أردنا الكلام بدقة لم نسم النار المحسوسة ناراً ، بل قلنا إنها شيء شبيه بالنار بالذات ، وإن الماء المحسوس شيء شبيه بالماء بالذات وهكذا . أما أن المثل مبادئ المعرفة أيضاً فلأن النفس لو لم تكن حاصلة عليها لما عرفت كيف تسمي