صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/8

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
‫حقوق النساء في الإسلام‬

ماذا تفيد الشجاعة والثبات في المحافظة على بناءٍ آلَ أمرُه إلى الخراب والتهدُّم، وقد انقضَّ أساسه وانحلَّتْ موادُّه، ووصل حاله من الاضمحلال إلى أنك ترى في كل سنة تَمُرُّ جزءًا منه ينهار من نفسه؟ أليس هذا كله صحيحًا؟ أليس حقًّا أن الحجاب في هذه السنين الأخيرة ليس كما كان منذ سنة؟ أليس من المُشاهَد أن النساء في كثير من العائلات يخرُجن لقضاء حاجاتهن ويتعاملن بأنفسهن مع الرجال فيما يتعلق بشئونهن، ويطلبن ترويح النفس حيث يصفو الجو ويطيب الهواء، ويصحبن أزواجهن في أسفارهم، ونرى أن هذا التغيير حدث في عائلات كانت أشد الطبقات تحرُّجًا من ظهور النساء؟ إذا قارنَّا بين ما نشاهد اليوم وبين ما كان عليه النساء من عهدٍ ليس بالبعيد عنَّا، حيث كان يشين المرأة أن تخرج من بيت زوجها وأن يرى طولها أجنبي. وكان إذا عرض للمرأة سفر اتُّخِذَ كل احتياط ليكون سفرها ليلًا حتى لا يراها أحد من الناس. وحيث كانت أم الرجل أو أخته أو ابنته تستحي أن تجلس معه على مائدة واحدة. إذا قارنَّا بين هذا وذاك نجد بلا شك أن هذه العادة آخذة في الزوال من نفسها.

وكل من عرَف التاريخ يعلم أن الحجاب دور من الأدوار التاريخية لحياة المرأة في العالم. قال لاروس تحت كلمة: «خمار»: «كانت نساء اليونان يستعملن الخمار إذا خرجن، ويُخفِين وجوههن بطرفٍ منه كما هو الآن عند الأمم الشرقية.» وقال: «ترك الدين المسيحي للنساء خمارهن وحافظ عليه عندما دخل في البلاد، فكُنَّ يغطين رءوسهن إذا خرجن في الطريق وفي وقت الصلاة. وكانت النساء تستعمل الخمار في القرون الوسطى، خصوصًا في القرن التاسع، فكان الخمار يحيط بأكتاف المرأة ويُجَرُّ على الأرض تقريبًا. واستمر كذلك إلى القرن الثالث عشر، حيث صارت النساء تخفف منه إلى أن صار كما هو الآن، نسيجًا خفيفًا يُستعمل لحماية الوجه من التراب والبرد. ولكن بقي بعد ذلك بزمن في إسبانيا وفي بلاد أمريكا التي كانت تابعة لها.»

‫ٍ‬ومن هذا يرى القارئ أن الحجاب الموجود عندنا ليس خاصًّا بنا، ولا أن المسلمين هم الذين استحدثوه، ولكن كان عادة معروفة عند كل الأمم تقريبًا، ثم تلاشت طوعًا لمقتضيات الاجتماع وجريًا على سُنَّةِ التقدُّم والترقِّي. وهذه هي المسألة المهمة التي يلزم البحث فيها من جهتَيها الدينية والاجتماعية.

٨