صفحة:داعي السماء.pdf/12

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
مسألة العنصر

وبعقيدتهم إلى المسيحية الرومانية، وبعناصرهم إلى مزيج متقارب من السلالات، ولكنهم تعلموا — بوحي المصلحة المتفقة — أن يجمعوا فخرهم كله إلى فخر واحد يتقارب فيه الأوروبيون كافة، وهو «اللون الأبيض» أو الانتماء إلى القارة المجتباة بين القارات. وجعلوا هذا اللون الأبيض رسالة يبشر بها الأوروبيون من عداهم من الشعوب الإنسانية، وسموا تلك الرسالة «عبء الرجل الأبيض» أو أمانة الرجل الأبيض، أو تبعته أمام الله لهداية خلقه الذين لم يبلغوا مبلغهم من العلم والارتقاء.

وصدق العالم الإنجليزي الحديث جوليان هكسلي حين قال: إن هؤلاء الدعاة مسبوقون إلى دعواهم قبل ميلاد السيد المسيح؛ فقد سبقهم «أشعياء» من أنبياء إسرائيل فقال في إصحاحه التاسع والأربعين:

اسمعي لي أيتها الجزائر، واصغوا أيها الأمم من بعيد. الرب من البطن دعاني، من أحشاء أمي ذكر اسمي. وجعل فمي كسيف حاد. في ظل يده خبَّأني وجعلني سهمًا مبريًّا. في كنانته أخفاني. وقال لي: أنت عبدي إسرائيل الذي به أتمجد. أما أنا فقلت عبثًا: تعبت، باطلًا وفارغًا أفنيت قدرتي. لكن حقي عند الرب وعملي عند إلهي.

والآن قال الرب جابلي من البطن عبدًا له لإرجاع يعقوب إليه فينضم إليه إسرائيل. فأتمجد في عيني الرب وإلهي يصير قوتي. فقال: قليلٌ أن تكون لي عبدًا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل، فقد جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض. هكذا قال الرب فادي إسرائيل …

فرسالة الرجل الأبيض التي تمخض عنها القرن التاسع عشر كله لم يذهب أصحابها إلى أبعد من هذا المدى الذي سبقهم إليه بنو إسرائيل قبل ميلاد السيد المسيح بسبعة قرون.

وظلت المفاخر العنصرية كلها من قبيل هذه العادات الاجتماعية التي لا يرجع فيها إلى قياس منطقي ولا موازنة علمية، فكانت أشبه شيء بمفاخرات الصبيان بعضهم لبعض بآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وجيرانهم وبيوتهم التي يسكنونها ومدنهم التي ينشئون فيها، وكل شيء يتصل بهم وتنعقد فيه المقابلة بينهم وبين غيرهم. وفحوى مفاخر الأجناس من هذا القبيل أن كل جنس هو أفضل الأجناس لغير سبب. وليس هذا من القياس المنطقي ولا الموازنة العلمية في شيء.

11