صفحة:داعي السماء.pdf/35

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

السيرة وهو مولى ضعيف غريب في أرض الحجاز، كما اشتمل على أبي بكر والفاروق وعثمان بن عفان وهم سادات مكة وأقطاب قريش. والذي يعنينا في هذه المقدمة عن تاريخ الأجناس والجنس الأسود؛ خاصة أن نجمع الملتقي بينها وبين صاحب هذه السيرة بلال.

وليس الملتقى بينها بعسير.

فمن مجمل الصفات المتواترة التي وُصف بها بلال يتراءى لنا أنه قريب الملتقى بخصائص الجنس الأسود التي أجملناها في هذه الصفحات. ولا نحب أن نقول: إن الذي يتصف بتلك الصفات لن يكون حتمًا لزامًا إلا من الجنس الأسود بخصائصه المعلومة، فلا يزال من الجائز جدًّا أن يكون بلال على تلك الصفة — فيما عدا اللون — ولا يكون من القبائل الأفريقية السوداء، ولكن الذي يقال ولا يتجاوز حد الصحة في المقال أنه لو لم يكن كذلك لكان هذا من غرائب المصادفات، ولا داعية عندنا الآن لتقدير تلك المصادفات.

فلو لم يكن بلال أسود الإهاب لكانت في صفاته النفسية علامات لا تستغرب في الأجناس السوداء؛ لأنها من خصائصها المميزة التي تبرز فيها عند مراقبتها على الإجمال. ومنها حب الإيقاع الموسيقي وسليقة الإيمان والتضحية والعناد والصبر على عذاب الجسد والوفاء لمن يستولي منه على مكان الثقة والإعجاب.

ولكن الجنس الأسود لا يحتويه كله على ما يظهر من بعض صفاته الجسدية فيما عدا لون السواد، فلم يوصف بالفطس ولا بغلظ الشفتين ولا بالشعر المتقبض المتصوف الذي خص به الزنوج، والذين يُشاهدون على هذا التكوين بين أمم أفريقية الشرقية كثيرون حتى هذه الأيام، وتحقيق تاريخهم يدل على امتزاج قديم بالأجناس السامية أو بالعربية منها على التخصيص؛ لأن رحلات العرب إلى سواحل أفريقية الشرقية قديمة قبل الإسلام بزمن بعيد.

ومن علماء الأجناس من يربط بين جلة الأحباش وجلة العرب — ولا سيما اليمانية — برباط وثيق؛ لأن عبور أهل اليمن إلى الحبشة وعبور أهل الحبشة إلى اليمن ميسران معهودان من أقدم العصور.

وقد قيل في تاريخ بلال: إنه من الموالي المولدين بمكة أو بالسراة اليمانية، فأصدق ما يقال فيه: أنه من سلالة زنجية سامية، وأنه على أقرب ما يكون الزنج من خلائق العرب أو المستعربين.

34