صفحة:داعي السماء.pdf/68

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صفات بلال

إنا لنرى الفجر قد طلع، أو يقولون: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فإذا سمعوا من بلال أن رسول لله أكل أو أنه ترك رسول لله يتسحر فالقول ما قال بلال، وليس للشك في ضوء النهار مكان.

وقد لزمت بلالًا عادة الصدق في كل كلام يبلِّغه المسلمين عن النبي أو يبلغه إليهم في شأن من عامة الشئون وخاصتها، فلما رجاه أخوه في الإسلام — أبو رويحة — أن يسفر له في زواجه عند قوم من أهل اليمن لم يزد على أن قال «أنا بلال بن رباح وهذا أخي أبو رويحة، وهو امرؤ سوء في الخلق والدين، فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوا فدعوا…»

فزوجوه فكان حسبهم عنده أن يقبل الوساطة ولا يرده أو يموِّه عليهم أوصافه!

وقد كان من ولائه لأبي رويحة هذا أن ضُمَّ ديوان عطائه إليه حين خرج إلى الشام. فلما دون الفاروق دواوين الصحابة سأله: إلى من تجعل ديوانك يا بلال؟ قال: «إلى أبي رويحة لا أفارقه أبدًا؛ للأخوة التي كان رسول لله عقد بينه وبيني.»

وذاك أن رسول لله قد آخى بينهما قبل الهجرة إلى المدينة كما آخى بين غيرهما من صحابته الأوفياء. فكانت أخوة العمر عنده من فضل الولاء لرسول لله. وكان أحب الناس إليه وأولاهم برعيه من أمره رسول لله أن يحبه ويرعاه.

وقد عرف له النبي عليه السلام هذه الخصال التي تتجمع كلها في صفة الأمانة — وهو هو قائد الرجال الخبير بمناقب النفوس — فأقامه في موضع الثقة وائتمنه على مال المسلمين وعلى طعامه ومؤنته وشخصه، واستصحبه في غزوه وحجه وحله وترحاله، وأسلمه العَنَزَة يحملها بين يديه أيام العيد والاستسقاء، ولم يعرف أحدٌ من الصحابة لازمه عليه السلام كما لازمه هذا المؤذن الذي يقيم معه الصلاة وهذا الأمين الذي يحفظ له المال والطعام، وهذا الرفيق الذي كان يظله بالقبة الستار من لفحات الهجير في التي قلما كان يركبها سواه عليه « القصواء » رحلات الصيف، وربما تقدمه فركب ناقته السلام، ولم يدخل الكعبة معه بعد فتح مكة غير عثمان بن طلحة صاحب مفاتيحها، وأسامة بن زيد مولاه، وبلال.

ودامت هذه الصحبة حتى قبض عليه السلام وحتى دفن في ثراه. فكان بلال هو الذي ذكر واجب الحنان المكلوم في ذلك الموقف الأليم، فحمل القربة ودار حول ذلك الثرى الشريف يبلله بالماء.

67