صفحة:داعي السماء.pdf/71

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

أن يسمع الناس يحمدون بلاءه في صدر الإسلام ويقدمونه على أجلاء الصحابة لثباته وكانت قلة دعواه نفحة «. إنما أنا رجل كنت بالأمس عبدًا » : وصبره، فيطرق ويقول من نفحات تلك الطيبة الرضية. فلم يعرف عنه أنه تصدى لتعليم الناس ما يجهلون من أحاديث النبي عليه السلام بعد ملازمته الطويلة وكثرة سائليه والواثقين بصدق ما يرويه، ولم يزد في إخباره عن النبي على ما يعنيه من إقامة الصلاة والأذان أو مواعد الإفطار والصيام.

وكان بلال ابن قومه في خلقين آخرين يعرفان في بعضهم، قدماء أو محدثين، وهما فراسة النظر وحب الراحة أو الضيق بالجهد الشديد.

أرسله النبي عليه السلام مع رعية السحيمي ليرد له ابنه الذي أسره المسلمون، فلم يفته وهو يقص نبأه على النبي أن يقول: والله ما رأيت واحدًا منهما مستعبرًا إلى صاحبه! فقال النبي: ذاك جفاء الأعراب.

ووكل إليه النبي وهو مقبل إلى وادي القرى بعد وقعة خيبر أن يوقظه لصلاة الصبح — وكان الحر شديدًا، فنام حتى طلعت الشمس. ثم صلى عليه السلام بمن معه وإن أحدهم ليسلت العرق عن جبينه من حر ذلك اليوم، فلما سلم قال: كانت أنفسنا بيد الله فلو شاء قبضها وكان أولى بها. ثم التفت إلى بلال فهتف به: مه يا بلال. فبادر بلال معتذرًا وهو يقول: بأبي وأمي. قبض نفسي الذي قبض نفسك! فتبسم عليه السلام.

وإنما تدل هذه السهوة — وإن لم تتكرر — على إيثار الراحة؛ لأنها غلبت كل حذر من تفويت صلاة الفجر حاضرة على النبي وصحبه، وهو حذرٌ كان ولا شك في نفس بلال شديدًا، بل أشد من الشديد.

وآخر ما يروى من أعمال بلال وقفته مع خالد بن الوليد حين أمر الفاروق بسؤاله عن الهبات التي كان يهبها لبعض الشعراء. فقد سكت خالد وأبو عبيدة يسأله عن تلك الهبات أهي من ماله أم من مال المسلمين؟ وهو معرض لا يجيب. فوثب إليه بلال ثم تناول عمامته ونقضها وعقله بها وخالد لا يمنعه. وسأله: ما تقول؟ أمن مالك أم من نسمع » : إصابة؟ فعند ذلك أجاب خالد: بل من مالي فأطلقه وعممه بيده، وهو يقول «. ونطيع لولاتنا ونفخم ونخدم موالينا

ذلك آخر ما روي من أعمال بلال في خدمة الخلافة، ولكنه يجمع أعماله كلها وخلائقه كلها في عمل واحد وخلق واحد، وهو الطاعة الجريئة التي لا تنسى التفخيم

70