ولكني مذ سمعت من رفيقي ما جرى خشيت أن يكونوا نسوا ذلك التنبيه فأعلموا القوم بحقيقتنا ولكن والحمد لله زال ما كنت أخشاه حين علمت بأنهم لم يعرفوا عنا إلا أننا تجار.
وكنت ونحن في بلاد المجر على جناح الطائر الميمون الذي كان كثير الرسو على (المحطات) أنتهز الفرص في اختلاس النظرات لأرى رجال تلك البلاد بشُعُرِهم وأزيائهم التي تختلف — بالطبع — باختلاف جهاتهم كما كنت أرى ذلك في غير هاتيك البلاد ولكن مع الأسف لم يقع نظري هنالك إلا على فتيات أحداث كنَّ يتراوحنَ ويتغادين في تلك (المحطات) ليبعن المسافرين ما بأيديهنَّ من صنوف العنب والخوخ حتى وصلنا إلى (زابتكا) ومن هذا البلد ينقسم القطار إلى قسمين والمسافرون يتناولون وقتذاك طعام العشاء غير أني وصديقي لم نشارف الخوان في ذاك الآن بل أجلنا ذلك العشاء إلى وقت المغرب حاسبين أنا نجريه في بلدة (جالا) التي وصلناها وكان للحديث الفضل في قطع المسافة إليها من غير ما نصب ولا لغوب. وما وصلناها حتى عمدنا إلى فتح باب غرفتنا وكنا أسرع ما يكون تحدُّرًا إلى محل الأكل في (المحطة) وما كنا لنسرع إلا لأن القطار لا يقف ثَمَّت أكثر من ربع ساعة.
دخلنا إلى المطعم وإذا الشوربة تنتظر سائغيها والسمك يترقب آكليه وهنالك صحفة لحم مصنوع (بالصلصة) ويسمى هذا عندهم (بالجولاش) صنف معتنى به في طعومهم وهو أشبه شيء بما يسمى في عرف المصريين (بالياخني) وقد وجدنا في هذا الصنف من طيب النكهة ولذاذة الطعم ما أضربنا به عن غيره من الشوربة والسمك. بل قد بلغ منا استحسانه أن ذهبنا بأنفسنا إلى محل المطبوخات وترجينا طاهيه أن يزيدنا منه ويكثر. ولكن مع الأسف ألجأنا الإفراط من طعمه إلى الإفراط في شرب الماء الزلال ريثما نكسر به شِرَّة الحرارة التي أثارها في جوفنا هذا المأكول اللذيذ. ولست أدري أن لذاذة هذا المطعوم ما جاءت إلا بما يضيفون إليه من التوابل الحارَّة كما يفعل السودان بطعامهم المشهور المسمى لديهم (بالويكه).