وكان في انتظارنا بالباب مركبة وهي وإن كانت من مركبات الكراء غير أنها لا تقل في حسن المنظر وجمال الزخرف عن غيرها من العربات الخصوصية، وما كدنا نمتطي متنها الوثير حتى أخذت تنهب بنا الأرض نهبًا، وعجيب أن تسير مثل هذا السير الحثيث على بلاط «ويانا» الذي عفت آثاره فأصبح من تقادم العهد عليه عوجًا وأمتًا! وما زالت كذلك تنتهب طرقات العاصمة وشوارعها حتى إذا لم يبقَ بيننا وبين «المحطة» إلا قيد عشرة أمتار رأينا الحوذي قد أبطأ في السير وقلل من السرعة ولا نعرف لذلك سببًا، اللهم إلا أن ميدان «المحطة» الفسيح كان مزدحمًا بجماهير الناس وغاصًّا بجماعات المسافرين، وقد قضى حسن نظام الحكومة أن تحفظ مع هذا التزاحم راحة المسافرين مما عساه يحدث لهم لو تركت العربات وسرعتها وخلت الحوذيين وشأنهم، وعند ذلك تقاضى الحوذي منا أجره وهو اثنان ونصف من الفولورينات، فأخذه وعلائم البشر تلوح على جبينه. وأذكر أننا قطعنا ما بين الفندق «والمحطة» في مدة لا تربو عن العشر دقائق بفضل السرعة التي ذكرناها آنفًا، ولما أن دخلنا المحطة وهي محطة الحكومة المسماة «استتابنهوف» التي منها يؤخذ الطريق إلى بلاد المجر، التفت فلمحت ترجمان الفندق الذي كان قد سبقنا مع الحاشية إليها، وهنا أذكر ما فات القارئ من تعرُّف من كان معي في تلك الرحلة، وهم صاحبي العزيز محسن بك راسم، وثلاثة من المهنة وهم محمد جعفر الشماشرجي، والخيال المشهور «دولت» الجركسي، ومحمد آغا الكروجي، وتخيرنا هذا الأخير؛ لأن أصله من الجبل الأسود وله إلمام بلغة السلاف ليكون ترجمانًا لنا فيما نحتاج إليه مما تتعاصى معرفته علينا من لغة القوم.
قطار السكة الحديد
وحينما وافت الساعة الثامنة والدقيقة الخمسون كان قطار الإكسبريس الذي يمرُّ في طريقه ببودابست متجهًا إلى بلاد البوسنة، متأهبًا للمسير متهيئًا للرحيل، وكنا أرسلنا ترجمان الفندق من قبل ليحجز لنا محلًّا من المحال الخصيصة في عربات ذلك القطار، بما لا يزيد عن ثلاث أنفس، ولكنه جاء بعد آسفًا وأخبرنا بأنها قد ضاقت