على الراكبين بما رحبت، وأن ليس لنا مجال فيها ولا نصيب منها، أما حاشيتنا فإنها سكنت إلى الدرجة الثانية، وأما أنا وصاحبي فما لبثنا نفكر كيف نصنع ولا مناص من السفر، حتى هُدينا إلى أن نحبو القومساري بشيء من النقود هو في مجاري عاداتهم أشبه بالضروريات، وما هو إلا أن نزعت بالرجل همته وخفت به حلاوة العطية فرادنا إلى حجرة تَسَعُ ست أنفس بدلًا من ذوات الثلاثة، فاستخلفنا والحمد لله الفضة بالنضار، واستبدلنا الدرهم بالدينار، ولم يزل بنا حتى أغلق بابها لكيلا يشاركنا فيها غيرنا، فسرنا منه ذلك كثيرًا وزادنا سرورًا ما نُمي إلينا من أنا سنلازم تلك الحظيرة حتى حدود البوسنة، مع أن العادة في هذا السفر قد جرت بتنقل الركاب ثلاث مرات في غضون المسافة.
على أنا لم نَكُ لنطمئن على مجالسنا تمام الاطمئنان خشية أن يدفع الزحام ببعض المسافرين إلى مساهمتنا في تلك الحجرة الرحبة بالرغم عن رقابة القومساري لنا واحتفاظه بنا، وحرصه على أن لا يصل إلينا ما نكره وأن لا نرى ما نحب، ولقد كان أن بعض الناس جاء إلينا وحاول أن يزج بنفسه بيننا، ولكن ما نشب يحاول أن رأى له متسعًا فيما زيد أخيرًا على عربات القطار؛ إذ اتفق من حسن الصدفة أن ناظر «المحطة» قد اضطر بسبب وفرة الركاب إلى أن يضم إليها ما فيه الكفاية لركاب الدرجة الأولى، وتلك لعمر الله عناية عظمى ما كان أحوج جماعة المسافرين في راحتهم إليها، وقد استغرق هذا العمل من الزمن ما أفضى إلى تأخير القطار عن ميعاده المعتاد نحو أربع وأربعين دقيقة، والذي كان يشارف عربات الدرجة الثانية والقطار مندفع بقوة البخار، يرى النمساويين الذين جرت عادة أغلبهم بأن لا يتفوقوا إلى هذه الدرجة يتغادون في سراديبها ويتراوحون في دهاليزها، وما فتئ ابن البخار يشق بنا أحشاء القفار حتى وصلنا إلى حدود بلاد المجر في زمن غير بعيد، وهنا استودعنا في بلاد النمسا ذلك القومساري الذي ذكرنا عرفه وبينَّا لطفه وأطرفناه باثنين من الفولورينات، وهي طريقة مقبولة في عرفهم قلما تجد واحدًا منهم يأباها، فانبعثت فيه روح نشاط جديدة كان منها أن ختم خدمته وتوَّج جميله بوصاية رصيفه المجري الذي خلفه عند ملتقى الحدود، فلما زارنا ذلك الخلف أول مرة للتفتيش على التذاكر