صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/47

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٤١ -

والسبب في نزول المرأة هذه المنزلة عندهم أن الفتاة الفرنساوية تنشأ في منزل والديها كما ينشأ الغلام ويطلب منها أن تتكسب بالشغل كما يتكسب هو. وهي تجالس الرجل وتحادثه وتباحثه في كل موضوع كأنها رجل مثله وتسافر للسياحة والاستكشاف وحدها لا ترى في ذلك بأساً أو غرابة مما لم نألفه في بلادنا. فإن فتاتنا تتعلم أو لا تتعلم ثم تمكث في منزل والديها في انتظار نصيبها للزواج وزينتها الحشمة والحياء ولا يخطر لأهلها أن تعمل عملاً. فهي إما أن تتزوج أو تبقى عانساً في بيت أبيها ولا تشتغل إلا نادراً. وأكثر اشتغالها بالتعليم أو الخياطة ويندر أن تتعاطى عملاً آخر. ومهما بلغ من حريتها فهي لا تجالس غير معارفها وذوي قرباها.

أما الإفرنجية فحالما تخرج من المدرسة تمضي إلى السوق كما يمضي الشاب فإذا أتاها النصيب تزوجت فيشغلها الزواج عن الارتزاق اكتفاء بعمل زوجها. وإلا فإنها تشتغل هي أيضاً. ولا يخفى ما في ذلك من تضاعف الأيدي العاملة في الأمة الفرنساوية أي إن العمال من الجنسين نحو ضعفي العمال عندنا بالنسبة إلى عدد السكان.

والمرأة الفرنساوية في القرى والبلاد الصغيرة مثال الاقتصاد والترتيب والعطف على أولادها والأمانة لزوجها وكذلك المرأة في العائلات الراقية من الطبقة الوسطى والعليا. لكن هذه الحرية أدت في المدن الكبرى إلى تشويه ذلك الجنس اللطيف في طبقة معينة من العامة. وهذا التشويه أخذ في الامتداد ويخشى أن يجر