صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/11

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

مقدمة المؤلف

إعادة النظر في التاريخ


ليس الدور الحاضر دور اكتشاف فقط، بل يبحث فيه ثانية عن مختلف المعارف، فبعد أن قال العلم بعدم وجود حادث يسهل الاطلاع على علته الأولى أخذ يفحص قواعده حديثًا فبدت له مختلة، وهو يشاهد الآن دخول مبادئه القديمة، واحدة بعد الأخرى، في خبر كان، فعلم الآلات يخسر قواعده، وصار الناس يرون أن المادة، التي كانت معدودة في الماضي جوهر الكائنات الأزلي، قوى فانية تكاثفت لأجل قصير.

ولم يشذ التاريخ عن ذلك على رغم ما فيه من الحدس الذي ينقذه من النقد الشديد، فلا يستطيع أحد أن يقول الآن إنه يعرف صفحة منه معرفة تامة، وما كان يلوح أنه علم يقينًا من الوقائع أعيد البحث فيه مرة ثانية.

والثورة الفرنسية من الوقائع التي كان يظهر أن درسها تمَّ، فهي بعد أن بحث فيها كثير من المؤلفين، وعمَّ القول بأنها أوضحت إيضاحًا كاملًا، وإنه لم يبق سوى تعديل بعض تفاصلها، أخذ يتردد أشد المدافعين عنها في أحكامهم فيها، وهكذا أصبح كثير من الحقائق القديمة موضعًا للأخذ والرد، وصار الأيمان بعدد كبير من المذاهب المقدسة مزعزعًا، وما كُتب أخيرًا عن الثورة الفرنسية قد كشف القناع عن تلك الشكوك والرِّيَب.

ولم يكتفِ العلماء بالمماراة في قيمة أبطال تلك الفاجعة العظمى، بل أخذوا يسألون هل كانت دعائم النظام الحديث، الذي حل محل النظام القديم، تتوطد من غير عنف بتأثير مبتكرات الحضارة بعد أن رأوا أن عواقب تلك الثورة لا تساوي أعباءَها.

هنالك أسباب كثيرة أوجبت إعادة النظر في ذلك التاريخ المحزن، ومنها أن الزمان سكن ثوران النفوس، وأن كثيرًا من الوثائق أخذ يخرج من الخزائن، وأن الناس صاروا يعلمون كيف يشرحونها بحرية تامة.

ولعلَّ علم النفس الحديث هو الذي سيؤثر أكثر من كل شيء في أفكارنا، معينًا إيانا على العلم بروح الرجال وعوامل سيرهم، ونخص بالذكر من اكتشافاته، التي