صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/12

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
- ١٠ -

يمكن أن يستعين بها التاريخ، المؤثرات الارثية، والسنن المسيرة للجماعات، والعدوى النفسية، وكيفية نشوء المعتقدات نشوءًا غير شعوري وتمييز أنواع المنطق المختلفة.

والحق أن هذه التطبيقات العلمية التي اتخذناها في هذا المؤلَّف لم ينتفع بها حتى الآن، فلا يزال المؤرخون مكتفين بدرس الوثائق، على أن ما ذكرناه يكفي لإلقاء ما أشرتُ إليه من الشكوك والشُّبُهات في نفوسهم.

***

قد يكون تفسير الحوادث العظيمة التي تحول مصير الأمم من الصعوبة بحيث يضطر الإنسان إلى الاقتصار على ملاحظة هذه الحوادث.

وقد أثر في نفسي منذ مباحثي التاريخية الأولى تعذر اكتناه بعض الحوادث الجوهرية، ولا سيما نشوءُ المعتقدات، فشعرت بأن أمورًا أساسية ضرورية لإيضاحها تفوتنا وبأنه لا يجوز أن ننتظر شيئًا من العقل الذي قال ما أمكنه ويتحتم علينا أن نبحث عن وسائل أخرى للوقوف على ما عجز العقل عن تفسيره.

بقِي أمر هذه المسائل الكبيرة غامضًا في نظري وما أتيت به من السياحات للبحث عن أنقاض المدنيات المنقرضة لم يقلل من هذا الغموض شيئًا يذكر.

إلا أن كثرة التأمل والتفكير ساقتني إلى الإقرار بأن هذه المعضلة مركبة من معضلات أخرى يجب البحث عن كل واحدة منها على حدةٍ، وهذا ما فعلته في عشرين سنة فأوردت نتائج مباحثي في سلسلة من المؤلفات.

بحثت في أحد مؤلفاتي الأولى عن سر لتطور الأمم، فبعد أن بينت فيه أن الأمم التاريخية، أي الأمم التي نشأت على حسب مصادفات التاريخ، نالت في آخر الأمر صفات نفسية ثابتة ثبات أوصافها التشريحية أوضحت الكيفية التي تحول بها هذه الأمم نظمها ولغاتها وفنونها، ثم شرحت فيه لماذا يحتمل أن تنفك عرى النفس عند تبدل البيئة فجأة.

ولكن يوجد، عدا هذه المجتمعات البشرية المؤلفة من الأمم، مجتمعات بشرية متقلبة تسمى الجماعات، ولهذه الجماعات التي تمت على يدها أكبر الفتن التاريخية صفات تختلف عن صفات الأفراد الذين تتألف منهم اختلافًا تامًا، وقد بحثت عن هذه الصفات وعن كيفية نشوءها في كتاب سميته «روح الجماعات».

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أبصرت بين عوامل التاريخ المهمة عاملًا قويًّا أي المعتقدات، وقد بحثت عن هذه المسئلة الصعبة في كتابي الأخير الذي سميته «الآراء