صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/14

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۲ - يدرسوا أدوارهم ، ولكن قوى خفية كانت تمليها عليهم فكانوا يقومون بها كانهم من الحافظين لها ، وقد أوجب اتباعهم منطقاً لم يدركوا من أمره شيئا اتباعاً مقدراً تعجبهم مثلنا من الحوادث التي كانوا أبطالها ، فالقوى الخفية التي كانت تسيرهم لم تخطر ببالهم قط ، ولم يكن أمر شدتهم وضعفهم في يدهم، فهم وان كانوا يتكلمون باسم العقل و يدعون أنهم مسيرون به لم يكن العقل رائدهم بالحقيقة ، قال بيوفار من : و كنا لا نريد أن تأتى ما نلام عليه من الأفعال ، ولكن الأزمة كانت تدفعنا اليه ، ولا يستدلن" القارىء بهذا الكلام على أن الحوادث الثورية خاضعة لمقادير مهيمنة مطلقة ، فالمطلع على ما وضعناه من الكتب يعلم أننا نعترف بما لأرباب التأثير والنفوذ من القدرة على إبطال عمل المقادير ، غير أنهم لا يقدرون إلا على ابطال شيء قليل منها ، وكثيراً ما يعجزون عن وقف الحوادث التي لم يتسلطوا على سيرها منذ البداءة ، فالعالم الذي يقدر على استئصال المكروبات قبل فعلها يعترف بعجزه عن ذلك عنداستفحال المرض . JO افترق المعتقدون الذين أتوا أحكاماً في الثورة الفرنسية التي هي من عمل المعتقدين أيضاً ، الى فرقتين : إحداها تلعن الثورة المذكورة والأخرى تعجب بها ، ولذلك ظلت الثورة المذكورة من جنس المعتقدات التي تقبل أو ترفض جملة من غير أن يتدخل منطق عقلى في هذا الاختيار ، فالثورة الدينية أو السياسية وإن جاز أن تستند إلى العقل في بداءتها لا تنتشر إلا معتمدة على عوامل الدين والعاطفة التي لا صلة بينها وبين العقل مطلقاً . لم يستطع المؤرخون الذين بحثوا في حوادث الثورة الفرنسية على نور المنطق العقلى أن يدركوا سرها . فيها أن هذا المنطق لم يكن محدثاً لها و بما أن القائمين بها أنفسهم كانوا غير مطلعين على كنها لا تخطي. إذا قلنا ان تلك الثورة أمر لم يفقهه من أتاه ومن ة ولم يكن في أدوار التاريخ دور أدرك فيه الحال إدراكا قليلا وجهل فيه الماضي جهلا تاماً وكشف فيه المستقبل كشفاً ناقصاً نظير ذلك الدور . قصه : ( لم يقم سلطان الثورة الفرنسية على ما كانت تنشره من المبادىء ولا على ما كانت الأنظمة ، إذ الأمم لا تبالى بالمبادىء والأنظمة إلا قليلا ، وأنما السبب في قوة هذه الثورة وفى رضى فرنسـة بما أنته من المذابح والهدم والهول وسائر المظالم وفي مدافعتها ظافرة إزاء أو ربة المدججة بالسلاح هو إقامتها ديانة جديدة لا نظاماً جديداً ، تضعه من