صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/18

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 16 - الفلكية والطرق القائمة على التجربة والاختبار أورثت نفوسنا ثورة باثباتها أن الحوادث تصدر عن سنن ثابتة لا تتبدل لا عن أهواء الآلهة . والأجدر أن تدعى هذه الثورات بالتطورات لبطء وقوعها ، بيد أنه يوجد من نوعها ثورات أخرى تقع بسرعة وتستحق أن تدعى بالثورات ، مثال ذلك آراء داروين التي قلبت علم الحياة في بضع سنين رأسا على عقب واكتشافات باستور التي حولت علم الطب في أيام صاحبها ، والرأي في انحلال المادة الذي اثبت أن الذرة لا تشذعن السنن القاضية على جميع عناصر الكون بالزوال والفناء خلافا لما كان يظن . و بما أن مجال هذه الثورات هو عالم الأفكار ليس للشاعر والمعتقدات سلطان عليها ، وعلى المرء أن يعانيها من غير أن يجادل فيها . ۳ - الثورات السياسية نذكر بعد الثورات العلمية التي هي سر تقدم الحضارة ، الثورات الدينية والثورات السياسية و إن كانت بعيدة منها ولا تربطها بها رابطة ، فالثورة العلمية لا تشتق الا من العقل مع أن المشاعر والعواطف هي دعائم المعتقدات السياسية والدينية ولا يكون للعقل سوى شأن ضقيل في تكوينها . لقد أثبت في كتاب , الآراء والمعتقدات ، أن المعتقد السياسي والديني هو ايمان أينع في عالم اللاشعور من غير أن يكون للعقل سلطان عليه وبينت فيه أن المعتقد قد يكون أحياناً من القوة بحيث لا يقوم في وجهه شيء وأن المرء الذي استحوذ عليه إيمانه يصبح رسولا مستعداً للتضحية بمنافعه ، وسعادته وحياته في سبيل نصره ،وأنه لا أهمية لمخالفة هذا الايمان للعقل والصواب بعد أن يكون حقيقة في نظر صاحبه، وحقا ان للعقائد الدينية ، قوة عجيبة في تغلبها على الأفكار وفى أنها لا تتبدل الا يتبدل الأزمان واعتبار المؤمنين المعتقد حقيقة مطلقة بجعلهم غير متسامحين بحكم الضرورة ، وهذا يوضح لنا سر قسوتهم وأحقادهم ومظالمهم أيام الثورات السياسية والدينية الكبيرة ولا سيما أيام ثورة الاصلاح الديني والثورة الفرنسية . و تظل بعض أدوارنا التاريخية سراً إن جهلنا منشأ المعتقدات العاطفي والديني وعدم تسامحها الضروري واستحالة التوفيق بينهـا ثم ما تنعم به المعتقدات الدينية على المشاعر المسخرة لخدمتها من القوة . «