صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/10

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٦ –

المقدس، وجندت أورية الجيوش تلو الجيوش لهذا الغزو، وتتابعت البعوث قرونا، والعالم الإسلامي يبذل كل جهوده وقواه وموارده لدفع هذه النازلة، حتى استنفدت ذكاءه وماله ومهارته وكل مقدرة له .

وفي القرن السابع الهجري اكتسح المغول جزءاً كبيراً من العالم الإسلامي، وعلى رأسهم جنكيزخان هذا الجبار اللتمرد . ثم خلفاؤه من بعده مثل هولاكو، ولم تكن غايتهم الفتح والاستعمار، ولا الغنم والاستلاب فحسب، بل كانت الفتك والتدمير أيضا، فحطموا بغداد وحضارتها وعلمها وفنها، وكانت زينة العالم وبهجة الدنيا، فذبحوا أهلها وخربوا عمرانها، وأتلفوا جسورها وكل ما بها . وكانت نكبة بغداد نكبة العالم الإسلامي .

وفى أول القرن التاسع الهجري زحف تيمورلنك، فمثل دور جنگيزخان وهولاكو، فذبح ودمر وأتلف وخرب، ورى العالم الإسلامي بكارثة عظمى، ولما يستفق مما غشيه من النوازل قبلها .

ثم امتدت فتوح الأتراك العثمانيين، فلم يكن حكم أكثرهم حكما صالحا، ولم يسوسوا الأمم سياسة عادلة . كانوا شجعانا مقاتلين ولم يكن أغلبهم ساسة عادلين . منوا بالحرب أكثر مما عنوا بالإدارة ونظم الحكم، ومهروا في الفتح أكثر مما مهروا في إقامة صرح العلم ومتابعة السير بالحضارة، فزاد العالم الإسلامي" تدهوراً على توالى الأزمان . ظلمة حالكة ومحنة شاملة وجهل مطبق وظلم فادح وفقر مدقع . هذا سائح فرنسي زار مصر في آخر القرن الثامن عشر – وهو مسيو قولنى Volney وأقام بها وبالشام نحو أربع سنوات – يقول : « إن الجهل في هذه البلاد عام شامل، مثلها في ذلك مثل سائر البلاد التركية ؛ يشمل الجهل كل طبقاتها، ويتجلى في كل جوانبها الثقافية، من أدب وعلم وفن ؛ والصناعات فيها في أبسط حالاتها، حتى إذا فسدت ساعتك لم تجد من يصلحها إلا أن يكون أجنبيا » .