صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/100

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-9- الرئيسيتين العلوم اللاهوت والفلسفة ، بل مبعث أنوار المعارف الإنسانية كلها .... ثم جاء الوقت الذى وقف فيه علماء هاتين المدينتين عن البحث ، وتهدمت فيه تصبهم التي أقاموها للعلم ، ودرجت كتبهم القيمة في طي النسيان ، وقد كان العرب في ذلك الجهل حين شرعوا يتناولون ما تركته الأم المتمدنة ، فأحيوا تلك العلوم المندثرة ، ورقوها وخلموا عليها بهجة لم تكن لها من قبل ، أو ليس هذا دلالة بل برهاناً على حبهم الطبيعي للعلوم ؟ . صحيح أن العرب أخذوا عن اليونان فلسفتهم كما أخذوا عن الفرس ما اشتهروا به ، بيد أن هذه العلوم التى أخذوها بحق الفتح قد رقوها ووسعوا نطاقها ووضحوها ، ونسقوها تنسيقاً منطقياً، وبلغوا بها مرتبة من الكمال تدل على سلامة الذوق وتنطوى على التثبت والدقة النادرين . وقد كان الفرنسيون والإنجليز والألمان لا يبعدون عن رومة وبيزنطة بعد العرب عنهما ، وكان من السهل عليهم أن يستغلوا كنوز علوم تلك المدينتين ، ولكنهم لم يفعلوا ، حتى جاء اليوم الذي ظهر فيه منار المدنية العربية على قمة جبال البرانس يرسل ضوءه وبهاءه على الغرب ، فأحسن الأوربيون إذ ذاك استقبال أرسطو بعد أن تقمص الصورة العربية ، ولم يكونوا يفكرون فيه وهو فى ثوبه اليونانى على مقربة منهم . أو ليس هذا برهانا آخر ناصعاً على مزايا العرب الذهنية وحبهم الطبيعي للعلوم ؟ و بينا يسلم مسيو رينان بأن البلدان الإسلامية في غضون خمسة قرون من سنة ٧٧٥ م إلى أواسط القرن الثالث عشر كانت تحتوى علماء ومفكرين عظاماً ، وأن العالم الإسلامى إذ ذاك كان يفوقى العالم المسيحى في الثقافة الذهنية إذ يقول : إن أكثر الفلاسفة الذين شهدتهم القرون الأولى للإسلام كانوا كتابهى السياسيين من أصل حَرَّانى، أو أندلسي ، أو فارسى ، أو من نصارى الشام . ولست أريد أن أغيط علماء الفرس صفاتهم الباهرة ، ولا أن أغض الطرف عن