صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/108

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- ۹۸ - دمه في رأسه يحتقن ، وفى وجهه يلتهب ، وفى عينه تقذف بالشرر ؛ كيف يهان هذا الهوان وهو الرفيع النسب ، العزيز الحسب ، العظيم الجاه ، العالى المنزلة في دينه وشرقه وعقله، ورغبته فى الخير ؟ كيف يرجوه الشاه أن يأتى بلده ويعده أن يُنفذ إصلاحه ، ويعلى كلنه ، ثم يعامله معاملة العبد يطرد ، والذليل يُصفع ، والحقير يهان ؟ لقد آلى أن ينتقم منه شر انتقام ، وألا تهدأ نفسه حتى ينزله عن عرشه ، وقد بَرَّ فيما أقسم ، فأخذ يكتب إلى علماء الدين المسموعي الكلمة يهيجهم على الشاه ، ولا يتورع أن يصفه بأقبح الصفات ، ويبين ضرره على الأمة ، ويثير عاطفتهم الدينية، ليشغبوا عليه حتى يُخلع . وكان الشاه قد تعاقد مع شركة إنجليزية على احتكارها «التنباك» فانتهز الفرصة وأبان الضرر على الأمة من هذا الاحتكار وأهاب برجال الدين أن يذودوا عن وطنهم ، فاستمعوا إليه ، وهاجوا على الشاه، وهيجوا عليه ، حتى اضطر إلى فسخ العقد ، ودفع نصف مليون ليرة تعويضاً للشركة ، فكانت هذه أول خطوات الانتقام . ثم لما عادت إليه عافيته سافر إلى لوندرة ، وحاضر نبلاء الإنجليز وكبراءهم في مصائب الشاه على فارس ، وساهم فى إخراج مجلة شهرية أسمها « ضياء الخافقين ) تصدر بالعربية والإنجليزية ، كان يكتب فيها مقالات بإمضاء ( السيد الحسينى ( يفضح فيها حكومة الشاه ، وسوء الإدارة ، وانتشار الرشوة ، وتعذيب الأهالى ، ويحرض فيها العلماء على عمل صغير، وهو أن يُصدروا فتوى بعدم التعاون مع الشاه ، فإذا هو طريد ؛ ويختار من الألفاظ والجمل، في مدح العلماء وقوتهم أضخمها وأقواها ، وفى ذم الحكومة والشاء أهجاها وأقساها . وهذه زَلَّة كبيرة من السيد جمال الدين ، دعاه إليها حدته وحبه للانتقام ؛ إذ كيف أجاز لنفسه التشهير محكومة شرقية إسلامية في بلاد أجنبية تتخذ