صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/11

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٧ –

وهذه الحكومة المصرية نراها تخشى تعليم الرياضة والطبيعة ، فتستفتى شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمداً الإنباني : « هل يجوز تعليم المسلمين العلوم الرياضية كالهندسة والحساب والهيئة والطبيعيات وتركيب الأجزاء – المعبر عنها بالكيمياء – وغيرها من سائر المعارف ؟ » فيجيب الشيخ في حذر : « إن ذلك يجوز مع بيان النفع من تعلمها » – كأن هذه العلوم لم يكن للمسلمين عهد بها ، ولم يكونوا من مخترعيها وذوى التفوق فيها .

كان العالم الإسلامي منعزلا ، لا يتصل بأوربة إلا فيما تعانيه تركيا من مشاكلها السياسية ، فليس هناك بين الشعوب الإسلامية والشعوب الأوربية اتصال في الثقافة والعلم والصناعة ونظم الحكم ، يمهد لها الاستفادة منها والأخذ عنها . لقد أغلقت على العالم الإسلامي الأبواب منذ الحروب الصليبية ، وأخذ يأكل بعضه بعضاً – وقف المسلمون في علمهم ، فليس إلا ترديد بعض الكتب الفقهية والنحوية والصرفية ونحوها ؛ وفي صناعتهم ، فلا اختراع ، ولا إتقان للقديم ؛ وفي آلاتهم وفنونهم العسكرية ، فهي على نمط الأقدمين. وسكان المدن والريف قد أبعدوا عن الاشتراك في الشئون السياسية والحربية ، فلا تراهم في جيش ولا في قيادة جيش ، ولا رأي لهم في الحكم ولا في السياسة ولا في الإدارة ، إنما هم مزرعة الحكام ومستغل الولاة والأمراء ، كلما تفتحت شهواتهم فعلى الرعية أن يجدوا سبيلا لملئها بالمال يجمعونه من كد يمينهم وعرق جبينهم . مركز الخلافة – وهو الآستانة – مفكك منحل ، والولايات من مصر والشام والعراق والحجاز متدهورة متضعضعة ، قد أمات نفسها توالى الاستبداد عليها ؛ العلم فيها كتاب دینی شکلی يقرأ ، أو جملة تعرب أو متن يحفظ ، أو شرح على متن ، أو حاشية على شرح . أما علوم الدنيا فلا شيء منها إلا حساب بسيط يستعان به على معرفة المواريث ، أو قبس من فلك قديم يستدل به على أوقات الصلاة .