صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/113

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- 101 - الإسلام، فأبى إلا إذا عُدل النظام من أساسه أولا . وكرر مقابلته للسلطان والحديث إليه ، وكون أخيراً فكرة عن السلطان عبد الحميد بأنه ذكى واسع الاطلاع على السياسة الأوربية وألاعيبها ، واسع الحيلة في العمل على ضرب بعض الدول ببعض ، ولكنه جبان يفسد عليه جينه ذكاءه ومعرفته . كانت المدة الأولى من إقامته فى الآستانة محفوفة بعطف السلطان عليه ولو ظاهراً - يزوره السيد وبشير عليه بالإصلاح ؛ قال له مرة : « خُذ بحزم جدك السلطان «محمود» وأقص الخائنين من خاصتك الذين يكتمون عنك حقائق ما يجرى فى الولايات، وخفف الحجاب عنك ، وأظهر للملأ ظهوراً يقطع من الخائنين الظهور ، واعتقد أن نعم الحارس الأجل « فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون » ولكن ذهب كل ذلك مع الريح ، ووجد له في الآستانة خصم لدود ، هو أبو الهدى الصيادي الذي أنقن من الحيل والدهاء والدسائس والمؤامرات والغلبة على عقل السلطان ما لا ينفع معه إخلاص جمال الدين وصراحته ونصحه ، فقدت حياة السيد، وفد ما بينه وبين السلطان ، وضاع كل أمل له في التعاون على الإصلاح، وأصبح يقول فى مجالس خاصته : « إن هذا السلطان سل في رئة الدولة » . واقتصرت قيمة السيد مدة إقامته في الآستانة - وهي أربع سنين وأشهر - على ما كان يلقيه على زُوّاره وسماره من أحاديث وآراء ، إلى دسيسة بين حين وآخر تحاك حوله ، ويصرف الزمن في نقضها وكل تراثنا منه في هذه الفترة بعض من أحاديثه اللطيفة وآرائه الطريقة (1) وتحريكه عقول سامعيه إلى التفكير الحر فى الإصلاح وفي الشؤون الاجتماعية . في هذه الفترة كانت تظهر من أحاديثه آثار الأسف والحزن ، إذ يعرض (۱) روى كثيراً منها المخزوى فى خاطراته ، وشكيب أرسلان في ترجمته .