صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/12

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٨ –

والسياسة فيها نزاع مستمر بين الأمراء، وكل أمير له حزبه، وكل حزب يتربص الدائرة بخصمه، والبلاد ضائعة بينهم، والوالى لا يطيل المكث إلا ريثما يغتني، حتى أصبح اسم الحكومة والوالي والجندي مرعباً مفزعاً مقرونا في النفس بمعنى الظلم والعسف .

وأعجب من هذا كله إلف الشعوب الإسلامية هـذه الحالة السيئة واستنامتها إليها، وكراهيتها لكل إصلاح ؛ فإذا أريد إصلاح الجندية ثارت الانكشارية ؛ وإذا أريد إصلاح القضاء غضب العلماء .

وعلى الجملة فقد كان العالم الإسلامي – إذ ذاك – شيخاً هرما حطمته الحوادث، وتتكه ما أصابه من كوارث . فساد نظام، واستبداد حكام، وفوضى أحكام، وخمود عام، واستسلام للقضاء والقدر، وترديد لقول الشاعر :

دع المقادير تجرى في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البال

فقد الدين روحه، وصار شعائر ظاهرية، لا تمس القلب ولا تحيى الروح، وسادت الخرافات، وانتشرت الأوهام، وأصبح التصوف ألعاباً بهلوانية، والدين مظاهر شكلية، ووسيلة النجاح في الحياة ليست الجد في العمل ولكن التمسح بالقبور والتوسل بالأولياء، فهم الذين ينجحون في العمل وهم الذين ينصرون في الحروب . والشوارع والحارات مملوءة بالدجالين والمشعوذين .

هذا هو الحال في الشرق، أما الغرب فلم يكن قد أصيب بكوارث الشرق، وقد بدأت أوربة تستيقظ منذ الحروب الصليبية وتنشىء لها حضارة جديدة، مؤسسة على العلم والحرية، وتتقدم في الصناعة، ويتدفق عليها المال من اكتشافها أمريكا وغيرها، وتخترع وترتقى في النظم الحربية على أساليب جديدة، وتنشىء الأساطيل الضخمة، حتى إذا شعرت بقوتها هجمت على الشرق بآلاتها وأسلحتها واختراعاتها، فتساقطت أقطـاره في بدها، وكانت إذا دخلت قطراً ضغطت عليه بكل قوتها