صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/122

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

عند زيارته لها أول مرة ، إذ خطب فى دار الفنون خطبة ذكر فيها أن المعيشة الإنسانية أشبه شيء بيدن الحى ، وأن كل صناعة بمنزلة العضو ، فالملك كالمخ، والحدادة كالعضد ، والزراعة كالكبد ... الخ ، ولا حياة للجسم إلا بالروح ، وروح المعيشة الإنسانية النبوة والحكمة . فاتهموه بالإلحاد لهذا ، وشنموا عليه بأنه يقول إن النبوة صناعة ، وشغبوا عليه ، حتى نُصح له بالخروج من الآستانة فلما جاء إلى مصر اتهمه بعض العلماء كالشيخ عليش و بعض العامة بالإلحاد ، والإلحاد في نظر هؤلاء وأمثالهم شيء هين . يكفى ألا يسير سيرتهم ، ولا يلبس لباسهم ، وأن يدخن السيجار ، ويجلس فى المقهى ، ويلتف حوله بعض اليهود والنصارى ، ليحكموا عليه بالإلحاد. وكما أن عقيدة كل إنسان لها لون خاص ، فكذلك تصوره للإلحاد يتكيف بذهنه . ثم لما ترجم سليم بك عنحورى للسيد جمال الدين في كتابه «سحر هاروت» رمى السيد أيضاً بالإلحاد فقال : « إنه برز فى علم الأديان حتى أفضى به إلى الإلحاد والقول بقدم العالم ، زاعماً أن الجراثيم الحية المنتشرة في الفضاء ترقى وتتحور (1) إلى ما نراه من أجرام ، وأن القول بوجود محرك أول حكيم وهم نشأ عن ترقى الإنسان في تعظيم المعبود على حسب ترقيه في المعقولات ... الخ ) . وقد قابله الشيخ محمد عبده ، وعاتبه على نشره مثل هذا القول من غير تحر وتدقيق ، فكتب سليم بك في الجرائد يصحح فيه قوله ، ويقول : إنى قابلت محمد عبده ، فأوضح لى بدلائل ناهضة وبراهين داحضة ، أن ما تتناقله الألسن من هذا القبيل ما كان إلا من آثار الحد ، وأن السيد كان أثناء مناظراته الجدلية يشرح النحل والبدع وأقوال المعطلين شرحاً وافياً ، ثم يقيم الحجج على الشيخ (1) تتحور : تستدير