صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/130

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- قال : كلا ، كيف يصح العاقل أن يعتبر الزواج جناية و به بقاء النوع واستكمال حكمة العمران ؟ أما أنا فعرفتى بما تتطلبه الحكمة الزوجية من معانى العدل ، ومجزى عن القيام به دفعني أن أتقى عدم العدل ببقائى عزباً ) . فقال له طبيب يهودى كان من خاصته : فهل تفادياً من الخوف من عدم العدل يجوز أن يخالف الإنسان طبيعته ؟ فتبسم السيد وقال له : « إن الطبيعة أحكم منك ، فهى تدبر نفسها ، ومن ترك شيئاً عاش بدونه » . قيل له : إنك تقبل من السلطان عطاءه من المال فلم لا تقبل عطاءه من الجوارى الحسان؟ قال : أما المال الذى يعطينيه فإني أجد له - على قدر اجتهادي - أكفاء يقومون بأداء الواجب نحوه ، وأما الزواج بالجارية الحسناء فما أنا بالكفء لها ، ولستُ بوليها لأتحرى لها كفوها . وكان السيد جمال الدين كثير الإعجاب بذكاء الشيخ محمد عبده وفضله ، وكان كلما ذكره يقول : ( صديق الشيخ » ، وكان السيد عبد الله نديم في آخر أيامه

:

يكثر من التردد على منزل جمال الدين ، فقال له يوماً : قد أكثرت من الثناء على الشيخ محمد عبده كأنه لم يكن لك صديق غيره ، وتنعت غيره بقولك صاحبنا ، و د فلان من معارفنا » . فتبسم السيد جمال الدين وقال : « وأنت يا عبد الله صديقي ؛ ولكن الفرق بينك وبين الشيخ أنه كان صديقى على الضَّرَّاء ، وأنت صديقي على السراء » ، فسكت النديم . وكان جمال الدين يهزاً بمبدإ « داروين » الذي يعنون ( بتنازع البقاء » ، ويقول : إن المبدأ هو « تنازع الفناء » ، ويقول : إن البقاء الذي ينبغي أن يطلب ولا يعتريه فناء ليس فيه تنازع ولا نزاع ، والتنازع القائم الآن إنما هو على أشياء تفنى ، والمنتزع والمنازع والمنزوع منه سواء في المصير إلى الفناء ، فكان الأولى أن يقال : « تنازع الفناء » . D