صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/151

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ۱۳۷–


جدا أنه قام بعمل جليل فى لغة قومه وعقليتهم وتعليمهم وتربيتهم ، مهما عابوه في بعض تعاليمه الدينية ، وبعده عن التدخل فى السياسة القومية .

فلما زار البنجاب فى آخر حياته استقبل استقبال الملوك الظافرين ، والغزاة الفاتحين ، بل المصلحين الناجحين ؛ وأنساه نعم الآخرة شقاء الأولى .

ولما بلغ الحادية والثمانين من العمر أسلم روحه لخالقه ، فبكاه الأوربيون والهندوس والمسلمون على اختلاف عقائدهم وطبقاتهم ومذاهبهم السياسية والاجتماعية ، وأشدّ ما بكوه من أجله ، شجاعته التي لا تُحد في تنفيذ خطته ، وصراحته البالغة فى الجهر برأيه ، وعدم اعتداده بنقد الناقدين على اختلاف ألوانهم ، وإصراره على ألا يسمع إلا لصوت ضميره ؛ ينقد الإنجليز في ترفعهم ، والمواطنين في تخلفهم ، ورجال الدين فى جمودهم ، ورجال السياسة في تخيلهم ، على حد سواء ؛ ويبكونه أكثر من ذلك لأنه مصلح عملى ، لا يكتفى بالنظريات والمبادىء يثيرها ، ثم يهدأ ضميره لأنه قد أدى واجبه ، بل لا يزال يسمى ويكدح وراء مبادئه حتى يخرجها في بناء وفى طلبة وفى معمل وفى مؤتمر وفى مجلة وفى درس ؛ وهى ميزة ندر أن تكون فى المصلحين ، ولذلك كانت نتيجته في إصلاحه عملية كسيرته ؛ فلو رأيت مسلمى الهند أيام سلّمهم ، ورأيتهم أيام تسلّهم لوجدتهم قد ارتفعوا درجات فى العلم ، وفى الفكر ، وفى الخلق ، وفي اللغة ، وفي الصلاحية للحياة ؛ حتى لو قلنا : إن تاريخ المسلمين في الهند قد تحور واتخذ اتجاهاً جديداً في حياته وبحياته ، لم نَعدُ الصواب .

ثم نرى في بعض المصلحين عيباً كبيراً ؛ وهو أنهم لا يربون من يحمل علمهم ، ويكمل خطتهم ، وكثيراً ما يكون سبب ذلك اعتدادهم بأنفسهم مع شخصيتهم القوية التى لا تسمح لشخصية عظيمة أخرى أن تظهر بجانبهم ، فتلتف حولهم الشخصيات الضعيفة التى تتقن الملق والنفاق ، وتغذى بأقوالها وأعمالها