صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/160

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-12- العمل سنين ، وعندما سأله المشرف على فرق العلاج : هل وظيفته فقط أن يُعنى بجرحى المسلمين ؟ قال له : «إن وظيفتك الأولى أن تُعنى بجرحى العرب والترك ، ولكن هذا لا يمنعك أن تمد يد المعونة لجرحى النصارى واليهود في ساعات الضيق والحرج » . وهكذا كان عمله وعمل جمعيته في مساعدة الجرحى والبائسين في حرب البلقان وفى الحرب العظمى الماضية .

لقد كان أهم ما يمتاز به السيد أمير على «الإخلاص للعقيدة » ، عقيدته في دينه ، وعقيدته في قومه، وعقيدته في وطنه . ورأى أن مواهبه في لسانه وفى قلعه ، فصقلهما فلا بلغ بهما الغاية ، فهو فى لسانه خطيب بارع ، وفى قلمه بليغ ساحر ؛ فلما أن بلغ بهما هذا المبلغ وضمهما فى خدمة عقيدته ، يكتب عن الإسلام وعن محمد فتصل كتابته إلى كثير من الأوربيين الذين لم يسمعوا عن الإسلام ومحمد إلا التافة من القول ، وتصل إلى مواطنيه فَيَرَوْنَ معلومات مألوفة قد عُرِضَتْ عَرْضاً جديداً حتى كأنها جديدة ، ويوم وصل إليهم كتابه عن « محمد » وقفوا الدراسة في المدارس يوماً احتفالا بهذا الكتاب واعترافاً بحسن أثره . شملهم ثم يستعمل لسانه وقلمه في خدمة قومه من المسلمين فيحركهم ويجمع . ويدفعهم لمطالبتهم بحقوقهم ، فيفقد بذلك كثيراً من المال كان يصح أن ينهال عليه ، ومن ألقاب الشرف كان يمكن أن ينالها بمركزه ومواهبه وجاهه ، ولكنه كان راضياً بما في يده مع راحة ضميره ، وكارها طعم الغنى والألقاب مع عصيان الضمير، وهو من تأليفه ودفاعه وإصلاحه وتمرة عمله فى غنى وشرف لا يساويهما أي غنى أو شرف . لقد تقدم إلى قبره يوم مات كثير من أصدقائه من الأوربيين والمواطنين