صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/167

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٤٩ –

- ١٤٩ - . شكل علم لا علم ، والنتاج جدل لا حقائق ، والناجح في الامتحان الذي يستحق أن يسمّى « عالماً » أقدرهم على الجدل وحفظ المصطلحات الشكلية . أما الجميع فسواء في عدم التحصيل؛ إذا توا الحياة الخارجية ، فالمناقشة العنيفة في أن شرب الدخان حلال أو حرام ، والغيبة أشد حرمة أم سماع الآلات الموسيقية، و «خيال الظل » تجوز رؤيته أو لا تجوز ؛ وجزء كبير من السكان بدو لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادتين ، ولا يصل إليهم شيء من علم إلا في بعض أما كن أنشأ فيها الصوفية زوايا تعلم الناس شيئاً من الدين ؛ وللجاليات الأجنبية من فرنسية وإيطالية وانجليزية مدارس تعلم أبناءها وقليلا من أبناء البلاد اللغات والجغرافية والتاريخ والحساب والجبر والهندسة ، فتخرج من هم أقدر على فهم الحياة فإذا انغمسوا فيها تحولت مالية البلاد إلى أيديهم . عماد أهلها الفلاحة ، وآلاتها وأساليبها هى بعينها ما كانت عليه في القرون الأولى قبل الإسلام وقبل الرومان، وساهم بعض الأوربيين في الزراعة ، فطعموا الأشجار و بخروها ولقحوها ، فدرَّت عليهم من الأرباح ما لم ينله سكان البلاد . تم قبض هؤلاء الأجانب على الأسواق الخارجية ، وخاصةً في أكبر غلة للبلاد ، وهى زيت الزيتون ؛ فمن ناحية أنشئوا المعاصر تدار بالبخار ، ومن ناحية وضعوا أيديهم على ما ينتجونه وما ينتجه الأهالى ، واحتكروا التجارة إلى الخارج إلا القليل النادر من أهل البلاد. وكان التونسيون يصنعون نوعاً من النسيج اسمه ( الشاشية » ، وكانت مصانعها كثيرة ، وكانت مصدر رزق لكثير منهم ، ولكنها كانت تصنع بالآلات القديمة ، فلما تقدمت الصناعة في أوربة ، وكانت الآلات تدار بالبخار وتنتج نتاجاً كثيراً من الشاش هذا ، رَخُص سعره ، وأصيبت الصناعة في تونس بضربة قاضية ، حتى لم يبق من مصانعها التي تبلغ الألف غير ثلاثين ؛ وناهيك بما يجره ذلك من الفقر والخراب ؛ كما زاحمت الجزمة « البلغة » وقضت