صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/171

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٥٣ –

- ١٥٣ تونس وسنه دون العشر قرباه أحمد باشا كما ربي خير الدين ، وارتقى في الوظائف حتى صار وزيراً ؛ وهو شخصية غريبة ، لين بسّام ، لا يقول «لا» لمن طلب منه شيئاً ولو مستحيلا ، يُرضى بالوعد ظاهراً ويُضمِر عدم الوفاء باطنا ، عف اللسان مُتَدَرُوش» يحافظ على الصلوات ويقرأ الأوراد ويقوم الثلث الأخير من الليل ، وهو مع ذلك شَرة في جمع المال ، لا يتورع عن السرقة والغصب ومشاركة السارقين والغاصبين . تولى الوزارة نحو خمسة وثلاثين عاماً أنقل فيها كاهل (1) الشعب بالضرائب والمظالم ، يفعل ذلك كله نهاراً ويتهجد ليلا ، يختلس المال ويعمر المساجد ؛ بدأ حياته سمحاً كريماً وختمها بخيلا شحيحاً ؛ زوج بنته من خير الدين لما تنبأ له بمستقبل باهر، وبسط سلطانه على الباى أحمد بجيله وأساليبه ، غشى بَصَرَه فلم يعد يرى ظلمه وفساده، وحارب بكل قوته من تقرب إلى الباي أو من مال إليه الباى ، حتى يضمن دوام نفوذه ؛ يحبذ للوالى كثرة الإنفاق في الإصلاح وغير الإصلاح ، ، ويشجعه على الإمعان فى الترف والإفاضة في البذل ، حتى يأسره بحاجته إليه وحتى يتخذ من كل ذلك وسائل لاستنزاف مال الشعب ، بعضه له وبعضه للوالي . و محمود بن عياد يد مصطفى خزنة دار التي يقبض بها ويسرق بها ويستغل بها ، وشريكه فى المغانم والمظالم ، وظيفته جمع الضرائب على اختلاف أنواعها ، وشراء جميع ما تحتاجه الحكومة وما يحتاجه الوالى ؛ وظل على هذا عشرين عاماً ؛ ذكى خبيث ماهر ، يغالى فى الضرائب ويتخذ كل الحيل حتى لا تصل مظلمة إلى سمع الوالى ، فإذا وصلت احتال حتى تُرفض . استطاع أن يجمع من الثروة من هذه الأبواب ثمانين مليوناً . رأى من بعيد أن الشعب بدأ يعلو أنينه ، وأنه يوشك أن يفتضح هو وشريكه (1) الكاهل : أعلى الظهر مما يلى العنق .