صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/175

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٥٧ –

- ١٥٧ - نظره ، بأن الشؤون العسكرية لها مخصصات في مالية الدولة ، ولا يصح أن تمتد الأيدى إلى فاضل الأوقاف إلا إذا عجزت مالية الدولة واستنفدت في وجوهها العادلة ، أما إذا كانت تبعثر هنا وهناك ويُصرف منها على الترف والشهوات فلا يصح أن تمتد الأيدى إلى فاضل الأوقاف . وناحية ثالثة لم يكن يرضيها النظام الشورى ، وإقامة العدل ، وهي الحكومة الفرنسية إذ ذاك ، لأن شمول العدل والنظام الشورى واستقرار الأمور يضيع على فرنسا مطمحها في الاستيلاء على البلاد، فكان ممثلو فرنسا يحرضون الباى على التلاعب بالمجلس الشورى . ولما حضر نابليون الثالث إلى الجزائر وتوجه إليه باى تونس وقدم له نسخة من قانون الشورى الذى وضعه ، قبلها منه بالشكر ظاهراً ، وتقدها أمام رجاله سراً وقال : « إن العرب إذا استأنسوا بالعدالة والحرية لم نسترح معهم في الجزائر » . وهكذا اتجهت سياسة فرنسا في هذه البلاد إلى التظاهر بتشجيع حركات الإصلاح والعمل سراً على إحباطها . وهكذا كل يوم مشكلة وكل يوم نزاع ، والإصلاح مستحيل مع هؤلاء ، فاستقال خير الدين ، وقال : « لقد حاولت أن أسير بالأمور في طريق العدالة والنزاهة والإخلاص فذهب كل مسعاى سُدى ، ولم أشأ أن أخدع وطنى الذى تبناني بتمسكى بالمناصب . ورأيت أن الباى وعلى الأخص وزيره الرهيب العظيم الجاه مصطفى خزنة دار لا يلجان إلى التشريعات الإصلاحية إلا لتبرير سيئاتهما تبريراً قانونياً ، فقدمت استقالتي سنة ۱۲۷۹ من رئاسة المجلس ومن وزارة الحربية، وعدت إلى حياتي الخاصة ) . لم يشأ أن يثور بعد اعتزاله ، ولا أن يكون حزباً يناضل في سبيل تحقيق العدالة ، فذلك مالم يتفق ومزاجه ولم تتهيأ له البلاد ، ثم هو تربطه بركنى الاستبداد روابط تقيد حريته ؛ فالباى مولاه ، ومصطفى خزنة دار صهره ، وموقف البلاد