صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/181

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٦٣ –

الوزراء مسئولين أمامهم وكل ما أصاب الأمم الإسلامية إنما أصابها من ترك الأمر فيها إلى مشيئة حاكمها وخضوع الوزراء لإشارته . وقد قال ابن العربي في الضرائب التي تؤخذ من الناس عند فراغ بيت المال : إنها يجب أن تؤخذ جهراً لا سراً ، وتنفق بالعدل لا بالاستئثار ، وبرأى الجماعة لا بالاستبداد . وقد كنت اتحدث مع كبير من أعيان أوربة فأسْهَبَ في مدح ملكه وتضلمه من أصول السياسة وصواب منهجه ، فقلت : فلم إذا تخاصمونه في الحرية السياسية ؟ فقال : من يضمن لنا بقاء استقامته واستقامة ذريته من بعده ؟ . وقد اقتبس بعد ذلك من أحد مؤرخى نابليون قوله : « إن نابليون أخطأ مع عظمته لاستبداده ، ويجب على الأمة الفرنسية أن تتعلم من - غلطانه وإن ما ينبغي أن يستخلص من كل تاريخه أنه لا يليق بأى فرنسى أن يبذل حريته لأي أحد ، كما لا ينبغى له الإفراط فى حريته حتى تنتهك حرمتها » . وقد أيد خير الدين نظرته هذه بالرجوع إلى التاريخ ، فاستشهد بالمملكة الإسلامية ، بم تقدمت وبم تراجعت ، وبأوربة هم تأخرت وبم نهضت و بم نمت . وحمل المسامين تبعة تأخرهم ، ولكنه لم يهمل نقد أوربة إزاء الدول الإسلامية في تصرفاتها ، وخاصةً في مسألة « الامتيازات الأجنبية » استناداً إلى عهود قديمة مضى وقتها ؛ ولم تكتف بالعهود ، بل توسعت فى تفسيرها ما شاءت لها قوتها . وهذا كله مخالف للقانون الأساسى البديهى ، وهو أن من دخل مملكة فلا بد أن يخضع لأحكامها . فإذا ادعى أن المملكة الإسلامية متأخرة في نظمها فهناك من هم أكثر تأخراً منها وأوربة لا نطلب امتيازات فيها . وإذا ادعى كراهية بعض عوام المسلمين للنصارى وحيفهم (۱) عليهم أمكننا الإدعاء بحق كراهية بعض النصارى للمسلمين وحيفهم عليهم ؛ فلا مبرر إذاً لهذه الامتيازات . (1) الحيف : الظلم والجور .