صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/188

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٧٠ –

وهكذا نقل البلاد من حالة كزب وضيق وظلم وفوضى إلى حالة أمن ورخاء، وضبط ونظام ، ورق فى كل مرفق من مرافق الحياة ، وكأنه بذلك كان يستملى نهضة مصر فيدخلها معدلة في بلاده .. أما المشاكل الدولية التي كانت أمامه فمعقدة مشتبكة ملتوية : فرنسا تنظر إلى تونس نظرة الصائد نَشَر شبكته ، تحاول أن تجد من كل حادثة منفذاً لتدخلها فإذا لم تجد الحادثة خلقتها خلقاً ، وتدعى أن لها الحق فيها لها فيه حق وما ليس لها فيه حق، وتصطنع الرجال تمنهم المناصب الكبيرة حتى منصب الباى ، إذا هم أعانوها وفَسَحُوا الطريق أمامها لبسط حمايتها . وإيطاليا ليست أقل من فرنسا مطمعاً . ولما حدثت الحرب بين فرنسا وألمانيا سنة ۱۲۸٨ هـ - ۱۸۷۱ م ، وخرجت منها فرنسا منهزمة اشتدت مطامع إيطاليا وجدت فى سعيها لتوسيع نفوذها ، فكانت تونس مسرحاً لتسابق الدولتين ، كل تدبر دسائسها ، وكل تُوعِز إلى جرائدها بما يتفق ومصلحتها . وسط هذه المطامع والنذر بالخطر رأى خير الدين أن يضرب الدولتين بعضهما ببعض ، وأن يقوى الصلة بين تونس والدولة العثمانية ، لأن تونس لا تستطيع القيام بنفسها ، فرسم خطة توثيق الصلات وتحديد العلاقات بينهما ، وكانت علاقات غامضة غير محدودة ، فسعى سعياً متواصلا ، وخاطب الباب العالى في هذا الشأن وشرح له وجهة نظره ، فأجيب إلى طلبه . وطلب الباب العالي إرسال مندوب إلى استامبول للمفاوضة فى هذا الأمر ، فوقع الاختيار على خير الدين نفسه ، فسافر وفاوض ونجح فى استصدار فرمان يحدد هذه العلاقة ، ويقرر أن تونس إيالة عثمانية ولواليها الحق فى تولية المناصب الشرعية والعسكرية والملكية والمالية لمن يكون أهلا لها، وفي العزل عنها بمقتضى قوانين العدل ، وفى إجراء المعاملات المعتادة مع الدول الأجنبية، ما عدا الأمور السياسية التي تمس حقوق