صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/190

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٧٢ –

- من الأمر إلا ما وافق العدالة ومصلحة الشعب ، وذاك يقبل الشفاعة والرجاء ولو على حساب العدالة ومصلحة الشعب ؛ وهذا جاد خشن اللمس ، وذاك ناعم هين لين، والأمراء من مثل ( الباى » يرضيهم المظهر ومن يجيب رغباتهم ، أكثر مما يرضيهم المخبر ومن يقدر التبعات . لذلك كرهه الباى وعاداه ، ولكنه رأى تعلق الناس به فجاراه وداراه ، وخالفه سرا ووافقه جهراً . ثم هناك أعوان مصطفى خزنة دار الذين كانوا يأكلون من فتات مائدته ، ويسرقون درهما إذا سرق ألقاً، ويكسبون بالوساطة والشفاعة ، وينهبون من الضرائب غير المضبوطة ، قد رأوا خير الدين يسدّ في وجوههم الباب ويحصنه بالعدالة ويضع من النظم ما يفقرهم ليغنى الشعب ، - هؤلاء الذين لا يعجبهم النور وإنما يعجبهم الظلام قد كرهوه أيضاً، وأخذوا يدمون له الدسائس وينصبون له الشباك . وهؤلاء أيضاً فئة اشترت ذكمتهم إيطاليا أو فرنسا ومنتهم الأمانى بالمناصب والمغانم هم إذا أعانوها في خطتها ، ودبروا لها الاضطراب الذي يمكن من سلطانها ، وخلقوا الأحداث التي ترتكن عليها في تدخلها . وهذه فرنسا كرهت أشدّ الكره من خير الدين ما يقوم به من حركات لربط تونس بالدولة العلية ربطاً محكما ، فهى تريد عزلتها ليسهل الاستيلاء عليها ، حتى إنه في إحدى سفرات خير الدين إلى استانبول ركب السفينة من ميناء تونس وقبل أن تقلع أعلن أن قادماً أتى لزيارته ، وإذا هذا القادم هو القومندان المساعد البارجة فرنسية كانت راسية فى الميناء ، فسأله : هل يعتزم السفر ؟ أجاب : نعم ، فقال : إن قائده يرجو منه أن يؤخر سفره يومين أو ثلاثة حتى يتلقى القنصل التعليمات من باريس .