صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/194

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٧٦ –

- ١٧٦ - كتابه ، وطالما قال إن الحاكم الذى يحكم بأمره وإن كان عادلا ليس لعدله ضمان ، إذ هو موقوت بوقته ، فكان واجباً عليه - وقد ملك زمام الأمر - أن يعيد الحكم النيابي ويقويه في البلاد، حتى يذوق الناس لذته ويفهموا فائدته وكانت حجته في الرد عليهم أن الحكم النيابي في المملكة الإسلامية لا يتيسر إلا بأحد أمرين : رغبة الملك أو الأمير فى ذلك ، أو قوة الرأى العام وثورته للمطالبة بهذا الحق على الرغم من رغبة الملك أو الأمير ، والأمران مفقودان في تونس : فالباى يكره الحكم النيابى ولا يطيقه، والرأى العام جاهل خاضع ، وليس يفهم مزايا الحكم النيابي إلا أفراد معدودون ليس لرأيهم قوة التنفيذ وهب أن الباى قبل النظام النيابي أليس فى إمكانه الغاؤه كما حدث. عند سنوح الفرصة مادامت الأمة ليس فيها من يحميه ويحرص عليه ، والعالمون بالأمور يرون أن حجته في ذلك واهية فعندما أسندت إليه الوزارة كان قويا ، وكان الباى والناس يرون فيه المنقذ الوحيد لما آلت إليه الحال ، فلو تشدد في عدم قبوله الحكم إلا بالنظام النيابي لاضطر الباى أن يجيبه إلى مطلبه ، وفى مدته كان في إمكانه تدعيمه حتى يألفه الناس ويطمئنوا إليه ويشعروا أنه حاجة ضرورية من حاجاتهم . وعلى الجملة فهذا خير الدين بما له وما عليه ، حكم البلاد مرة ثانية حكما استبدادياً ولكنه عادل ، وتولى أمر البلاد وهي فوضى فى كل ناحية من نواحيها ، فعالجها بحزم وضبط وقوة ، وقبض بيد من حديد على المفسدين والمتلاعبين ، ودفع البلاد إلى الأمام بأقصى ما يستطيع من قوة ، وعالج فى كياسة التيارات السياسية في أحرج أوقاتها ، ولكن كان شأنه في ذلك شأن كل مستبد عادل ، يزول فيزول بزواله كل إصلاح ، وترجع الأمور إلى ما كانت عليه من اضطراب وفساد . لقد سمع الباى إلى الوُشاة فصدّ عنه ، وأوسع الطريق أمام الدساسين يدسون . X