صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/196

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٧٨ –

- ۱۷۸ - استأذن الوزراء الباى فى زيارة خير الدين عقب استقالته فلم يأذن لهم ، وأرصدت حول داره العيون (۱) فكان في حقيقة الأمر معتقلاً ، ولما سئم هذا العيش استأذن فى السفر إلى أوربة لمداواة أعصابه فامتنع الباى أولا ورضى أخيرا ، ثم طلب العودة على أن يؤمن على حريته الشخصية من غير أن يتدخل في الأمور السياسية ، فلم يُرَدّ على طلبه بقبول ولا رفض ، فحضر بنفسه من غير أمان وضيق عليه أكثر مما كان . ، -7- قضى خير الدين - بعد اعتزاله الوزارة - أعواماً سودا ، فقد كان أشبه بسجين لا يزور ولا يُزار ، ولم يتجه إلى التأليف يتسلى به كما فعل في العهد الماضي إذ كان في المرة الماضية شابا آملا ، فأمسى فى هذه المرة شيخا بانسا ، يرى كل ما بناه من إصلاح وما وضعه من خطط يتهدم على يد الباى وأعوانه حجرا فحجراً ، وفرنسا تتقدم للقضاء على استقلال البلاد خطوة خطوة ؛ ثم إذا هو ضاق صدره مما يرى ، وتهدمت أعصابه مما يفكر ، سافر إلى أوربة يظن أن فيها سمة من ضيق ، فإذا هي ضيق فوق ضيق ، لا يلبث حتى يشعر بالحنين إلى بلاده، فعل هذا مرتين ، فكان يستشفى من داء بداء . وأخيراً وصلت إليه برقية من كبير الأمناء يأمره فيها بالحضور إلى الآستانة فأطلع عليها الباى فتردد فى الإذن له، وشاور قناصل الدول فأشاروا عليه بأن يسمح له فسافر في شهر رمضان سنة ۱۲۹٥ ، وكان سفراً حزينا تعطف عليه قلوب الناس ولا يتيسر لهم وداعه لأن الباى أمر أن لا وداع ، وترك أسرته وماله في حماية من لا يوثق بهم فى الحماية ، وقد كان له أملاك كثيرة ، ثلاثة قصور أهداها إليه (1) العيون : الجواسيس .