صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/198

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٨٠ –

من طريق الوزارة - إلا إذا عاش فيها زمناً طويلا، عرف أهلها ودرس شؤونها وتعرف كنة (١) أمورها ووجوه الإصلاح فيها . هذا ما كان يقوله ، وأما ما يبطنه فهو أنه يرى أيضاً أن الدولة العثمانية أصبحت من المرض بحيث لا يُرجى لها علاج في وضعها الحاضر، ثم هو دائم الحنين لتونس إذ صارت وطنه يأنس بها ويستوحش من فراقها ، ويفضل أن يكون فرداً آمناً فيها على أن يكون وزيراً فى غيرها . هذا الذي كان يعتذر في إلحاح عن الوزارة يُدعى إلى يلدز في الصباح المبكر يوم ٤ ديسمبر سنة ١٨٧٨ م = ١٢٩٥ هـ ويقابل السلطان فيخبره أنه عين رئيساً للوزارة، ولما أراد أن يعتذر أبلغه أنه أمضى المرسوم ولم يعد في الإمكان الغاؤه بحال . أصبح خير الدين صدراً أعظم في أيام تواجه فيها الدولة العثمانية شدائد من أخطر الأمور وأشدها تعقيداً وارتباكا . فتركيا فى حرب مع الروس ومنهزمة أمامهم ، وجيوش الروس تتقدم وتهدد العاصمة نفسها . والأسطول البريطانى فى مياه البسفور . وحالة البلاد الداخلية من مالية واقتصادية ونفسية من أسوا الحالات، حتى كان أصحاب المخابز يفضلون إغلاق مخابز هم على التعامل بنقود متدهورة تكاد تكون فاقدة القيمة، و ۳۸۰۰۰۰ مهاجر لا مورد لهم ولا معين يزحفون على العاصمة . ومعاهدة سان ستيفانو التي عقدت في برلين سنة ١٨٧٨ كانت طويلة الذيول تتطلب عقد معاهدة بين تركيا وروسيا في الأمور الخاصة بهما . وأبى الروس الجلاء عن أراضى الدولة العثمانية حتى تم المعاهدة، وأبى الإنجليز سحب أسطولهم حتى تجلو الجيوش الروسية . ومشكلة قبرص معلقة ، والحالة مرتبكة مع النمسا لاحتلالها البوسنة ، ومشكلة الأرمن قائمة . (1) كنه الأمور : باطنها وحقيقتها .