صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/205

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-140- في هذه البيئة ولد على مبارك ، ووقعت عينه أول ما وقعت على هذه المشاهد الطبيعية والاجتماعية. ولعله يوم ولد و بشر به أبوه وسلم له في يده ليبارك عليه وأذن في أذنه أمل فيه أن يكون حلقة في سلسلة ( المشايخ ) يرث الإمامة والخطابة والإفتاء لأهل القرية عن أبيه كما ورثها أبوه عن جده وكما ورثها جده الأدنى عن جده الأعلى . ولو جرت الأمور مجراها المألوف لكان هذا ، فما ظنك بطفل فقير من أسرة فقيرة في ( برنبال ( البعيدة عن مراكز المدنية والحضارة إلا أن يُسعده . الحظ فيكون إمام مسجد ؟ ! ولكن للقدر شئونه والله تصرفه . على هذا المنهج أرسله والده إلى كتاب ( برنبال ) وفقيهه إذ ذاك رجل أعمى شديد عنيف ، وافق اسمه مسماه ، فكان يُسمى أبا عشر. كان له الفضل في أن بكره ( عليا ) في التعليم والحفظ . وشاء الله أن تنكب هذه الأسرة جميعها بما كانت تنكب به أسر كثيرة في البلاد إذ ذاك ، فكثيراً ما كان يهمل الفلاحون زراعة أرضهم شعوراً منهم بأن فلتها ليست لهم ، وإنما هى مطمع الحكام : يطمع الحاكم الأعلى في الحاكم الأدنى ، ويطمع الحاكم الأدنى فيمن دونه وهكذا حتى يصل إلى الفلاح ، فإذا مجزت غلة الأرض عن أداء الضريبة أخذت الأرض منه وأعطيت لغيره ، وكان هذا العطاء مصيبة كبرى على من يعطى لشعوره بأنه إنما يعطى ليسخر ، يسخر في الأرض وزراعتها لتكون غلتها لغيره، ولذلك كانوا يعبرون عن إعطاء هذه الأرض تسبيراً صحيحاً صادقاً ، إذ يقولون : ( رُميت عليه الأرض ) . وهذا ما أصاب أسرة الشيخ مبارك ، فقد رميت عليها أرض فلما جاء المحصلون يحصلون الضرائب لم تكف الزراعة فباعوا بهائمهم وأناث منازلهم، ثم رأوا أن لابد لهم بعد ذلك أن يهجروا البلد . وتنقل الشيخ مبارك بأسرته فى البلاد إلى أن نزل على عرب في ( الشرقية ) يسكنون الخيام ، يسمون عرب ) السماعنة ) فأقاموا له خيمة مثل