صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/207

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

- ۱۸۷ - بسبب وشاية أحياناً .. وأخيراً شاء القدر أن يسعى له السجان ليكون كاتباً صغيراً عند مأمور كبير . وشفع له فى ذلك حسن خلقه وجودَة خَطه .. كان هذا الموظف الكبير « عنبر أفندى » مأمور زراعة القطن بأبي كبير . فلما وقع عليه نظر على مبارك وقع في حيرة شديدة ، إذ رآه أسودَ حَبَشِياً ، وعهده بالحاكم أن يكون أبيض تركيا ، فما الذى أهله لهذا المنصب الكبير، وكبار الناس يخضعون له و يمتثلون أمره ويجلون قدره ؟ وإذا كان هذا الأسود قد بلغ هذا القدر .. فلم لا أبلغه وأنا على الأقل وسط بين الحبشى والتركى ؟ ولكن ما السر في بلوغ هذا الأسود هذا المنصب ؟ لغز صَعب عليه حله ، وكلما سأل عنه أحداً أجابه إجابة لا تقنعه ؛ وقد سأل أباه يوماً - بعد أن رضى عنه - عن السبب في ذلك ، فأجابه بالقضاء والقدر، وأن الله إذا أراد شيئاً فلا راد لمشيئته ، وقد شاء أن يكون هذا العبد الأسود حاكما مطاعاً فكان ؛ ولكن هذا أيضاً لم يقنعه وأخيراً أخذ يتحرى السبب من خَدَم المأمور ، فعرف أن هذا العبد كان مملوكا السيدة من كبرى السيدات وقد أدخلته مدرسة قصر العينى فتعلم فيها الخط والحساب واللغة التركية وغير ذلك ، وأن هذه المدرسة تخرج الحكام - إذ ذاك وضع يده على سر الأمر ؛ فهناك مدرسة لتخريج الحكام وهى لا تتقيد بالأتراك ، فقد كان هذا العبد الأسود تلميذاً فيها ، فإذا استطاع أن يصل إلى الدخول في هذه المدرسة أصبح حاكما كمنبر أفندى . ولكن كيف السبيل ؟ - أصبحت هذه المسألة شغله الشاغل ، وهَمَّه بالليل والنهار ، وسؤاله المتكرر ممن يأنس منهم المعرفة - أين مدرسة قصر العينى ؟ وما هو الطريق إليها ؟ وما المسافة بين كل مرحلة وأخرى ؟ وكيف يأخذون التلاميذ لها ؟ وهكذا ، ثم يكتب كل هذا في ورقة معه ، وقد صمم على أن يحتال للدخول في هذه المدرسة بأية وسيلة . وكان أهم ما عرفه عن هذه المدرسة أن مفتشاً يمر على مكاتب القرى