صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/208

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٨٨ –

- ١٨٨ - من حين إلى حين يختار أنجب التلاميذ وأذكاهم فيلحقهم بمدرسة قصر العينى . هذا هو على مبارك يترك العمل عند عنبر أفندى ويلتحق بكتاب ينتظر المفتش ويحاول أبوه مراراً أن يصده عن ذلك فلا يفلح ، ثم إذا بالمفتش يحضر ويختار على مبارك فيمن يختارهم ، وإذا هو تلميذ بمدرسة قصر العينى يعنى نفسه الأمانى فى أنه سيكون حاكما كعنبر افندى ؛ وعمره إذ ذلك نحو اثنتي عشرة سنة كانت حافلة بالمغامرات الغريبة ، والمفاجآت العجيبة ، والصبر على البؤس والفقر والغربة دخل على مبارك مدرسة قصر العينى ، ولكنه سرعان ماشعر بخيبة الأمل ، فلم يجد المدرسة هى الجنة التي وُعِد المتقون ، وإنما هي النار التي يشقى بها المجرمون . وكانت المدارس المدنية إذ ذاك فى أول العهد بها ، لم يستقر أمرها ولم تنظم شؤونها ، فلم تعجبه فى علمها ، إذ لم يجد هندسة ولا حساباً كما قيل له ، وإنما كان أكثر الوقت يُصرف في تعليم المشى العسكرى ، ولم يجد أكلاً يرضيه - وهو الفقير القنوع - فكان يفضل عليه الجبن والزيتون يشتريهما من ماله الخاص ، ولم يجد نظافة يطمئن إليها ، فنومه على حصير قذر ، يلتحف ليله بنسيج من الصوف الغليظ حتى أصيب بالجرب وبكثير من الأمراض . وإذ ذاك تبخّرت كل آماله، وزاره أبوه فى مرضه ، وحاول أن يسرقه ، وفكر هو أيضاً فى أن يفر معه، وما منعه إلا ما سمعه من أن من فرّ قبض عليه وعذب هو وأهله عذاباً شديداً ، فسلم الأسر الله واستمر في المدرسة . ثم من الله عليه فنُقِلَ إلى مدرسة الهندسة بأبي زعبل لتخلى مدرسة قصر العينى لتعليم الطب . وكانت المدرسة الجديدة خيراً من القديمة ، ففيها علم كثير يرضى نهته ) (۱) نهمه : شدة رغبته . (1)