صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/212

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٩٢ –

يضع ( تصميمات » منازل لمن شاء ، وصمم أحياناً على أن يعود إلى أهله في برنبال يعمل عمل الفلاحين ويعيش معيشتهم وعلى الله الموضُ فيما تعلم . وفى كل مرة لا يلبث طويلا حتى يستدعى لوظيفة ، ولا يلبث فى وظيفة طويلا حتى يطرد. ولما جاء إسماعيل باشا أعيدت الحياة العلمية وتوسع فيها، واستقر الحال بعلى مبارك في درجة ما ، فكان هذا العهد أبرك عهوده ، وأخصبها وأكثرها إنتاجاً - لقد عمل على مبارك أعمالا كثيرة تتصل بما اختص به من هندسة مدنية وحربية ، فقد عُهد إليه فى « تصميم » شوارع وفتحها و « تصميم » نرع وإنشائها ، وبناء جسور واستحكامات ومساجد وغير ذلك من أعمال هندسية عظيمة ، ولكن كل ذلك لم يكن سر عظمته وصحيفة خلوده ، إنما كان ذلك في شيء لم يتعلمه ولم يتلقه عن أستاذ ، هو إصلاحه للتعليم في مصر بالوسائل المختلفة ، وبناؤه فى ذلك بناء ضخما يعد دعامة النهضة التعليمية فى مصر. لقد أريد له أن يهندس المبانى والاستحكامات فهندس هو طرق التربية والتعليم، ووضع تصميماتهما ، ووقف على تنفيذها فى دقة وإحكام ، حتى عُد من كبار المصلحين . لم يتعلم في مصر ولا فى فرنسا البيداجوجيا ولا السيكولوجيا على معلم مختص وإنما تعلمها من حسن استعداده وصدق نظره، ومن دروس في التربية الفاسدة تلقاها في الكتاب حين يُضرب وفى مدرسة قصر العينى حين يعذب ، ومدرسة أبي زعبل حين يلقى عليه الدرس فلا يفهم ، هذا إلى طبيعة خيرة توحى إليه بالرحمة بالناس والإشفاق عليهم والألم من جهلهم . لقد وصف هو نفسه إذْ عُهد إليه مرة في إدارة مدرسة فقال : «كنت ألتفت للتلاميذ، في مأكلهم ومشربهم وملبسهم وتعليمهم ، وكنت أباشر ذلك بنفسى ، حتى أعلم التلميذ كيف يلبس وكيف يقرأ وكيف يكتب ، وألاحظ المعلم كيف يلقى الدرس وكيف يؤدب