صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/214

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٩٤ –

فيه يُدار إدارة عسكرية ، وكل أنواع التعليم على هذا الوجه في القاهرة والإسكندرية فقط ، أما المدن الأخرى والأرياف فليس لها حظ من هذا التعليم . وبجانب هذا التعليم تعليم آخر يبتدئ بالكتاب ، وهو منتشر في القاهرة والمدن والقرى وينتهى بالأزهر ، وهذا التعليم لا تعنى به الحكومة ولا تتدخل فيه ولا يهمها أمره ، وكل ما فعله عباس الأول وسعيد أن ضيقا التعليم المدنى ، حتى إذا جاء إسماعيل بدأ يتغير هذا النظام ، وينظر إلى التعليم نظرة أخرى غير النظرة الحربية . وكان من أكبر العاملين على هذا على مبارك - فلو قلنا إنه حول التعليم من وجهة حربية إلى ثقافة شعبية ، كان ذلك وصفا مجملا صادقاً . رأى أن عماد التعليم الشعبي الكتاتيب في المدن والقرى ، وهي في حالة يرى لها (۱) ، فكثير منها إما في دكان أو « حاصل » أو فى حجرة مظلمة بجانب مراحيض المسجد ، والتلامذة يختلط صحيحهم بمريضهم وقد يكون المرض منديا ، فأقرع وأبرص وأجرب ومحموم ينشرون العدوى في الأسماء . يجلسون على حصير بال و يشربون بكوز واحد من زير واحد ، ويأكلون في الظهر من صحن واحد ؛ وفقيه الكتاب كثيراً ما يكون أعمى لا يُحسن أن يرعى التلاميذ ، ولا أن يدير شؤونهم ؛ وكل كفايته أنه يحفظ القرآن ويحفظه من غير فهم ، لا علم له بالدنيا ولا بالدين، ووسائل التأديب عنده ليست إلا السب والضرب . بدأ على مبارك - وقد عهد إليه فى إدارة التعليم في عهد الخديو إسماعيل - يُصلح هذه الحال ويدخلها تحت الإشراف الحكومي، بعد أن كانت الحكومة لا تعنى إلا بالمدارس الحربية وما يعد لها . فقبض بيديه عليها ، وأرسل من يحصى كل كتاتيب القطر ويصف حالة كل كتاب من صلاحية بنائه وعدم صلاحيته وعدد تلاميذه وحالة فقيهه وتبعيته لأوقاف أو لا ونحو ذلك؛ وقسمها بحسب (1) يرثى لها : تستوجب الرحمة والإشفاق