صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/22

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– –

-11- عسير أما بعد ، فإن التوحيد الصحيح المطلق المجرد عن شائبة كل تجسيم ، المنزه عن كل تشخيص ، الذى يصل العبد بربه من غير وساطة ولا وسيلة ، مطلب. بر لا يستطيعه إلا الخاصة أو خاصة الخاصة . أما من عداهم فيشعرون بالتوحيد لحظات ثم سرعان ما يتدهورون ، ويشوب عقيدتهم نوع من التشخيص ، وأسلوب من التجسيم على نحو ما ، ثم يتخذون من الصالحين وسائل وزُلفى - كان ذلك في الجاهلية ، وكان ذلك في الإسلام بميد البعثة إلى الآن . فالمؤرخون يروون أن أهل الطائف لما أسلموا كان لهم بنية على اللات (۱) ، فأمر النبي بهدمها ، فطلبوا منه أن يترك هدمها شهراً لئلا يروعوا نساء هم وصبيانهم حتى يدخلوهم فى الدين ، فأبى ذلك عليهم وأرسل معهم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان ابن حرب وأمرها بهدمها . وفى الحديث أن العرب كانت لهم فى الجاهلية شجرة تسمى « ذات أنواط » كانوا يعلقون بها سلاحهم ويعكفون حولها ويعظمونها ، فسأل بعض المسلمين رسول الله أن يجعل لهم كذلك « ذات أنواط » فنهاهم عن ذلك . D ولما جاء عمر شعر أن بعض الناس أخذ يحن إلى العادات الجاهلية القديمة، فراهم يأتون الشجرة التي بايع رسول الله اللي تحتها بيعة الرضوان فيصلون عندها ، فبلغ ذلك عمر قأمر بها فقطعت . ولما رأى عمر كعب الأحبار يخلع نعله ويلمس برجليه الصخرة عند فتح بيت المقدس ، قال له : « ضاهيت والله اليهودية ياكعب ) . وهكذا ما لبث بعض الناس حتى تراجع عن التوحيد المطلق الذي جاء به الإسلام ، لأن التحرير من المادة بأشكالها جميعاً ، والإفلات من قيود الحس، والتسامى إلى الله فوق المادة وفوق الحس وفوق التشخيص ، يتطلب منزلة رفيعة من السمو العقلى تعجز عنه الجماهير . (1) بنية : كعبة - اللات : منم .