صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/220

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٠٠ –

أن الإصلاح السياسي ما لم يرتكز على الإصلاح التعليمي فلا بقاء له ولا قيمة - لذلك لا نرى له إصبعاً ما في الثورة العرابية. ولقد انهم كثير من عقلاء الأمة بمشايعة عرابي باشا ء كعبد الله باشا فكرى والشيخ محمد عبده، وغضب عليهما الخديو توفيق ولكن لم يتهم على باشا مبارك فى شيء ما ، ولم يفقد رضا توفيق باشا وعطفه، وإنما فقد رضا عرابي باشا وحزبه ؛ وكل ما أثر عنه في الثورة العرابية أنه تبرع يوما بشيء من ماله لهذه الحركة، ولكن لعل ذلك كان تحت تأثير ضغط شديد عليه من الشبان المتحمسين . وزاده إيماناً بحياده أنه لم يكن يؤمن بنجاح الثورة العرابية ، على حسب ما كان يرى من ظروفه المحيطة به التى تمكنه من الاطلاع على شئون مصر والشرق والغرب. وقد روى الشيخ محمد عبده أنه حضر مجلساً في بيت على باشا مبارك كان فيه سلطان باشا - وقد أخذ سلطان باشا يُشيد بذكر قوة الجيش المصرى وما يمكن من زيادة عدده - فرد عليه على باشا مبارك بأن حالة البلاد المالية لا تتحمل هذه الحرب ولا تساعد على النجاح فيها . ثم رأيناه في أثناء الثورة يذهب إلى بلده ويعمل فى إصلاح أرضه ؛ وعلى كل حال فالإنسان مطالب أن يعمل وفق ما يهديه إليه عقله وما يتناسب ومزاجه . وقد كان مزاج على مبارك مزاجاً هادئاً ناسبه أن يوجه أكثر قوته لإصلاح التعليم ، ففعل . وربما كان أساس نجاحه شدة غيرته وقوة إخلاصه وعمق رغبته في خدمة وطنه . و بعد الاحتلال الإنجليزى لمصر ألفت وزارة مصطفى رياض باشا وعهد فيها إلى على مبارك في نظارة المعارف ؛ ولكن ما أبعد الفرق بين الحالين ، وما أشد الاختلاف بين العهدين - لقد كان في العهد الأول قبل الاحتلال حرا طليقاً ، يفكر كما يشاء ويفعل مايشاء ويدبر المال المشروعاته كما يشاء ، لا يقيده في ذلك كله الأعرض الأمور على ولى الأمر ليقره عليها ويتلقى نصائحه فيها . أما في هذا العهد فليس حراً ولا طليقاً ، لا يفكر إلا إذا سمح له المستشار الإنجليزي بالتفكير