صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/226

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٠٤ –

وهو أن يصاحب الناشئين فى الأدب ويَغْشَى مجالسهم ومجالس أساتذتهم وما كان للأدب درس منظم ولا هو يعد علماً ولا فنا ، وإنما هو « هواية » كذى الصوت الجميل يهوى الغناء ويقلد فيه من سبقه، ولا درس ولا فن ؛ ومثل هذا ينظر إليه من أهل العلم بالنحو والفقه نظرة استخفاف وازدراء ؛ وقد عهدنا هذا في أيام دراستنا بالأزهر، أيام كان الشيخ سيد المرصفي يحلق حلقة لدراسة الأدب ، فكان هذا عَجَباً من العجب ، ينظر طلاب الفقه والنحو ومشايخهم إلى حلقته شزراً (۱) كان عبد الله نديم يغشى هذه المجالس الأدبية التي ليس لها منهج ؛ فيسمع شعر الشاعرين وزجل الزجالين ، ونوادر المتماجنين ، وقصائد الراوين ، فيصغى إلى كل ذلك فى فهم كأنه كله آذان ؛ ويدرك من غير وعى أن هذا بابه وهذا فنه ، وأنه إنما خلق لذلك لا للنحو ولا للصرف. فاشتاقت نفسه أن يسلك هذا المسلك ويسير فى هذا الطريق ؛ وقد منح حافظة لاقطة ، وقدرة على التقليد فائقة ، فأخذ يحاكي بعد ما اختزن ، ويعنى بعد ما سمع ، فطوراً يوفق فيستدعى ذلك إعجاب أمثاله ، وطوراً يخذل فيستخرج ضحك أقرانه ، ومن كل ذلك كان يتعلم و إلى جانب هذا تعلم درساً في منتهى القيمة ، درسا تعلمه » حافظ » ولم يتعلمه الأحياء شوقى » ، وتعلمه « بيرم التونسى » ولم يتعلمه ( توفيق الحكيم » ؛ درساً قل أن يفقهه الأدباء مع عظيم خطره وكبير أثره ، ذلك هو أن نشأته في صميم الشعبية مع رهافة حسه ، ويقظة نفسه، وفقره و بؤسه ، علمته أن يحيط إحاطة واسعة بلغة الشعب وأدبه ، من أمثال وحكايات ووجوه معاملات وصنوف تصرفات ، فرسم ذلك كله فى نفسه لوحات كان لها أكبر الأثر في حياته الأدبية المستقلة ؛ والنفس الحساسة الفنانة تختزن حتى حفيف أوراق الأشجار ، وهفهفة (1) نظر إليه شزرا : أى بجانب عينه ، إعراضاً أو غضباً .